للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورغم الاستعداد الكامن للعلمنة لدى أعضاء الجماعات الوظيفية، ورغم أنهم من أكفأ الناقلين لأفكار التحديث والعلمنة والحوسلة والتعاقدية، فإن موقفهم من عملية التحديث والعلمنة مزدوج ومبهم. فهم من قطاعات المجتمع الأولى التي تم نزع القداسة عنها، إذ تم تجريدهم وتحويلهم إلى عنصر موضوعي نافع بسيط ذي بُعد واحد، وهم لا يدينون بالولاء للمجتمع ولا يضربون بجذورهم في أرضه أو تاريخه، ولذا فإن إحساسهم بحرمة التقاليد أو خوفهم من الإخلال بالقيم السائدة ضعيف جداً إما لجهلهم أو لعدم اكتراثهم بها. كما أن إحساسهم بتركيبية الواقع التاريخي تكاد تكون منعدمة. وقد يكون مما له دلالة في هذا السياق أن نشير إلى شخصية مثل محمد علي، فقد قدم إلى مصر ضمن جماعة وظيفية قتالية (الألبان أو الأرناؤوط) ونظر إلى مصر نظرة محايدة فلم يكن يعرف لغة أهلها ولا تقاليدهم. ولكنه، مع هذا، أدرك إمكانات مصر ومدى نفعها، فاستولى على الحكم وبدأ واحدة من أسرع عمليات التحديث والعلمنة في العصر الحديث. كما أن كمال أتاتورك كان شخصية هامشية في مجتمعه، فقد جاء، هو وكثيرون ممن قاموا بثورة تركيا الفتاة، من سالونيكا، وهي بلدة كانت تُعدُّ عاصمة ليهود الدونمة. ولا يهم ما إذا كان أتاتورك يهودياً باطنياً أم لا، ولكن المهم أنه، شأنه شأن محمد علي، شخصية هامشية تنظر للمجتمع نظرة موضوعية محايدة باعتباره مادة تُوظَّف. ولابد من الإشارة هنا إلى أن الثورات التحديثية تقوم بها عادةً قطاعات من النخبة العسكرية والثقافية أعيد إنتاجها على هيئة جماعات وظيفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>