للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمكن القول بأن الأسرة أهم المؤسسات التي تُدخل الطمأنينة والسكينة على قلب الإنسان، وهي الإطار الذي يتعلم فيه الإنسان كيف يصبح كائناً اجتماعياً مركباً، عضواً في الجماعة وفرداً منفرداً في الوقت نفسه، ذلك لأن العلاقات داخل الأسرة علاقات مادية اجتماعية مفعمة بالحب والمودة. والمجتمعات العلمانية تضرب كل المؤسسات الوسيطة (وأهمها الأسرة) وتفكِّكها حتى أصبحت الأسرة (كمؤسسة) لا تختلف عن بقية المجتمع: مكاناً للصراع والتناحر لا المأوى الذي يهجع إليه الإنسان. فالجميع داخل الأسرة الحديثة لهم علاقة بالسوق، فالأب يعمل والأم تعمل، وفي الدول المتقدمة يعمل الصبية أيضاً. وقد أصبحت الأسرة ترتيباً مؤقتاً، فحين يصل الأطفال إلى سن السادسة عشرة، فإنهم يتركون المنزل، وحينما يصل الآباء إلى سن التقاعد فإنهم ينتقلون إلى بيوت المسنين. وفي أغلب الأحيان، يعيش أعضاء الأسرة في منزل سيتركونه بعد عدة سنوات إما لتحقيق الربح (فهو الاستثمار الأكبر لأعضاء الطبقات المتوسطة في الغرب) أو من أجل الانتقال إلى مكان آخر للحصول على فرص عمل أفضل وتحقيق الحراك الاجتماعي. أما احتمال أن تنحل هذه الأسرة نفسها من خلال الطلاق احتمال قوي جداً (٦٠ %. واحتمال تكوين أسرة لا يرتبط أعضاؤها برباط مباشر (زوج وأطفال من زواج سابق مع زوجة وأطفال من زواج سابق ... إلى آخر التنويعات التي ذكرناها في مدخل «الترانسفير» ) ، فقد أصبح عالياً بشكل مذهل. وفي واقع الأمر، فإن كل هذا يعني مزيداً من التمركز حول الذات ومزيداً من الإحساس بالعزلة ومزيداً من الانغماس في الآليات اليومية المادية التي تقضي على الدفء والحب والمودة والتراحم.

<<  <  ج: ص:  >  >>