«تهويد المجتمع» عبارة استخدمها ماركس في كتابه المسألة اليهودية، وهي تفترض وجود جوهر يهودي ثابت، له ملامح معينة، يتم تعميمه على المجتمع، الأمر الذي يتناقض مع فكر ماركس، ولذا فالأمر يتطلب قدراً من التعمق. وقد يكون من المفيد ألا نبدأ بالجوهر اليهودي وإنما بالإنسان الوظيفي، عضو الجماعة الوظيفية، الذي يدخل في علاقة تعاقدية نفعية باردة مع مجتمع الأغلبية، ولا يكترث بقيم المجتمع ويعيش على هامشه أو في مسامه. هذا النمط الإنساني كان مُهمَّشاً، شأنه في هذا شأن الجماعة الوظيفية. ولكن مع تحوُّل المجتمعات الغربية (ثم بقية المجتمعات في العالم) من الزراعة إلى الصناعة تم إشاعة نموذج الإنسان الوظيفي. وقد وصف كارل ماركس هذه العملية بدقة بالغة في البيان الشيوعي في إطار حديثه عن دور البورجوازية الثوري في التاريخ، تلك البورجوازية التي سحقت تحت أقدامها جميع العلاقات الإقطاعية والبطريركية والعاطفية، ولم تُبق أية صلة بين الإنسان والإنسان إلا صلة المصلحة الجافة والدفع الجاف نقداً وعداً. وأغرقت الحمية الدينية وحماسة الفرسان ورقة البورجوازية الصغيرة في مياه الحساب الجليدية المشبعة بالأنانية، وجعلت الكرامة الشخصية مجرد قيمة تبادل لا أقل ولا أكثر، وقضت على الحريات الجمة، المُكتسَبة والممنوحة، وأحلَّت محلها حرية التجارة وحدها، هذه الحرية القاسية التي لا تُشفق ولا تعرف الشفقة أو الرحمة. فالمجتمع البورجوازي مجتمع تعاقدي تحل فيه قيمة التبادل محل القيم الإنسانية كافة، ويُعرِّف البشر في ضوء نفعهم وتسود فيه النظم المعرفية والاقتصادية والأنانية التعاقدية. وقد أشار ماركس إلى التجربة الرأسمالية (البروتستانتية) الكبرى في أمريكا الشمالية بقوله: "إن مامون (إله المال) هو الوثن الذي يعبدونه هناك بجميع قوى أجسادهم وأرواحهم. فالأرض في نظرهم ليست سوى بورصة وهم موقنون بأنهم لا مصير لهم في الحياة الدنيا سوى أن يصبحوا أغنى