ويؤكد المقرر الجوانب الإيجابية لوجود اليهود على هيئة جماعات منتشرة في العالم، ويمجِّد إنجازاتهم الحضارية، وهو ما يعطي صورة إيجابية لحياتهم في المنفى، أي في أنحاء العالم خارج فلسطين. ولكن هذا التمجيد يتنافى مع العقيدة الصهيونية التي تصدر عن الإيمان بأن حياة اليهود خارج فلسطين إن هي إلا انحراف عما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» . ومن ثم، فإن مثل هذه الرؤية لا تزيد ألبتة من الوعي اليهودي الأحادي. ولكن، إن تم التركيز على الجوانب السلبية وحدها، وُصوِّر تاريخ الجماعات على أنه تاريخ هجمات ومذابح، كما تفعل بعض كتب التاريخ الصهيونية (وهو ما سميناه «التأريخ من خلال الكوارث» ) ، فإن هذا سيقلل من احترام الأجيال الصاعدة ليهود العالم، وبالتالي سيقوض دعائم الوعي اليهودي. ولذا، فإن هناك اتجاهاً الآن للتأكيد على عنصر المقاومة بين يهود المنفى. واليهود، حسب هذه الرؤية، كانوا دائماً معرضين للاندماج، ولكنهم تصدوا له فأبدعوا وأبقوا على جوهرهم اليهودي. وعندما تعرضوا للمذابح، ثاروا ضد من قاموا بذبحهم، ومن هنا التأكيد على أهمية التمرد الحشموني والأحداث المماثلة في التاريخ اليهودي مثل: التمرد اليهودي الأول، والتمرد اليهودي الثاني ضد الرومان، وتمرد جيتو وارسو. بل ويصبح تاريخ الصهيونية هو تاريخ هذا الوعي اليهودي وتاريخ تلك المقاومة المستمرة. ويشكو اليهود السفارد والشرقيون من أن مادة الوعي اليهودي تركز على إسهامات اليهود الإشكناز وحدهم ولا تؤكد على إسهاماتهم الحضارية.