والأهم من ذلك كله أن الاستعمار الصهيوني كان استعماراً عميلاً منذ بداية الاستيطان، كما أن شرعيته لم تكن تستند إلى قوة اليهود أو إلى حركة جماهيرية وإنما استندت إلى وعد أصدرته القوة الإمبراطورية الصاعدة في الشرق وإلى الضمانات العسكرية التي قدَّمتها، أي أن النمط الذي ساد أوربا حتى القرن التاسع عشر، داخل التشكيل السياسي الغربي، عاد وأكد نفسه بحيث أصبح المستوطنون الصهاينة عنصراً قريباً من القوة الإمبريالية الحاكمة لصيقاً بها، ولكن القرار الخاص بالسياسة الاستعمارية الدولية ظل من اختصاص الحاكم الإمبريالي، أي أن الصهاينة أسسوا في نهاية الأمر دولة وظيفية ليست لها إرادة مستقلة؛ بل وعاجزة عن البقاء والحركة بدون الدعم الإمبريالي.
لكن الدولة، بعد إنشائها، تمتعت بشيء من الاستقلال النسبي نتيجة تَصارُع القوى الإمبريالية فيما بينها على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط. ومع صعود قوة الولايات المتحدة وتزايد اعتماد المستوطن الصهيوني على الدعم الأمريكي، تناقص الاستقلال اليهودي وتضاءل تحكم الإسرائيليين في مصيرهم، وأصبحت المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية تتخذ قراراتها وعيونها على الممول الموجود في واشنطن. ومن المتوقع أن يزداد هذا الاتجاه مع تزايد الرفض العربي للمُستوطَن الصهيوني.