وأبو حنيفة كان يسلك مثل ذلك المسلك فكان يتخير من أقوال الصحابة إن اختلفوا، وكان لا يخرج عن أقوالهم إلى غيرها، ولكنه يأخذ بما شاء، ويدع ما شاء.
وهناك رواية ثالثة عن الإمام أحمد، وهي أنه: إذا اختلف الصحابة لا يتخير من أول الأمر من بين الأقوال أقربها إلى النصوص، بل يرجح أولا أقوال الخلفاء.
وقد روى هذِه الرواية أيضًا ابن القيم في موضع آخر من كتابه "إعلام الموقعين" فقد جاء فيه ما نصه: إذا قال الصحابي قولا، فإما أن يخالفه صحابي آخر، أو لا يخالفه، فإن خالفه مثله لم يكن قول أحدهما حجة على الآخر، وإن خالفه أعلم منه، كما إذا خالف الخلفاء الراشدون أو بعضهم غيرهم من الصحابة في حكم، فهل يكون الشق الذي فيه الخلفاء الراشدون أو بعضهم حجة على الآخرين، فيه قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد، والصحيح أن الشق الذي فيه الخلفاء أو بعضهم أرجح وأولى أن يؤخذ به من الشق الآخر، فإن كان الأربعة في شق، فلا شك أنه الصواب، وإن كان أكثرهم في شق، فالصواب فيه أغلب، وإن كانوا اثنين فشق أبي بكر وعمر أقرب إلى الصواب؛ فإن اختلف أبو بكر وعمر، فالصواب مع أبي بكر، وهذِه جملة لا يعرف تفصيلها إلا من له خبرة واطلاع على ما اختلف فيه الصحابة وعلى الراجح من أقوالهم (١).
وتقديم أقوال الخلفاء على هذِه الرواية له وجهة، لأن قول الخلفاء قد