للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صادف عملا ارتضاه جمهور المسلمين وقبلوه، بل آثروه، لأنه لو كان مخالفًا لكتاب اللَّه وسنة رسوله، أو كان غيره أقرب منها، لقوموا آراء الخليفة ونهوه وله من دينه وقوة عقله، وهدايته ما يجعله يستسيغ رأي مخالفه، إن ثبت له أنه أقرب إلى الدين وكتاب اللَّه وسنة رسوله ومصلحة المصلحين والدارس لحياة الخلفاء الأولين، وخصوصًا أبا بكر وعمر، يرى أن رأيهما كان مزكى في أكثر الأحوال بموافقة جمهور المؤمنين، فهو رأي يقارب الإجماع، فكان تقديمه له وجهة قوية.

ويظهر أن أحمد -رضي اللَّه عنه- كان إذا وجد آراء للخلفاء الراشدين أو لبعضهم اختارها دودن غيرها، وإن لم يجد اختار أقرب الآراء إلى كتاب اللَّه وسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن لم يبد له وجه من القرب ترك الأمر وتوقف، أو كان له في الموضوع قولان، فجاء الذين من بعده فوجدوا هذِه الأحوال وروى بعضهم الفتوى التي اختار فيها قول الخلفاء، وجاء راو آخر فلم يرو إلا واقعة التخير بالقرب من الأصول، وجاء ثالث، فروى واقعة ترك الأقوال جملة، ونسبتها كلها إليه فكل رواية صادقة لأنها روت واقعة صحيحة، ومن مجموع هذِه الروايات، وهذِه الوقائع يستبين رأيه، وهو الترجيح أولا بقائل القول، ثم بدليله، ثم ترك الأقوال بعدها (١).

ومما تقدم يمكن تلخيص رأي الإمام أحمد في قول الصحابي -الأصلين الثاني والثالث- في النقاط التالية:

١ - إذا كان قول الصحابي مما لا مجال للرأي فيه، فإن له حكم المرفوع عند أحمد. واختار أبو الخطاب، وابن عقيل: أنه ليس له حكم المرفوع، بل


(١) "أحمد بن حنبل" لأبي زهرة، صـ ٢٨٧ - ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>