للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان المقتدر بالله يتمتع بمستوى علمي راقٍ ميَّال إلى العلم محب للعلماء، لذلك عقد لمشاهير علماء وكتاب عصره مجالس في بلاطه (١).

وكان المقتدر بالله يدني أبا الوليد الباجي في مجلسه ويجلُّه ويقدِّره، وفي ذلك الوقت تهيأت له الظروف للتأليف والتصنيف والإقراء، وفي هذا المضمون يقول ابن خاقان:

( ... ثم استدعاه المقتدر بالله فسار إليه مرتاحًا، وبدا في أفقه ملتاحًا، وهناك ظهرت تواليفه وأوضاعه، وبدا وخده في سبل العلم وإيضاعه، وكان المقتدر يباهي بانحياشه إلى سلطانه، وإيثاره لحضرته باستيطانه، ويحتفل في ما يرتبه له ويجريه، وينزله في مكانه متى كان يوافيه) (٢).

وفي تلك الفترة ندب المقتدر بالله أبا الوليد الباجي للردِّ على رسالة الراهب الفرنسي التي تضمنت دعوة المقتدر بالله إلى الإيمان بالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، فقام أبو الوليد الباجي بالرد عليه مفنِّدًا عقيدة التثليث ومبطلًا دعوة النصرانية معتمدًا في ذلك على الأدلة والبراهين القوية، وأوضح له في آخر الردِّ عدْلَ الإسلام وفضله ووجوب الانضواء تحت لوائه (٣).

وفي بطليوس كان عمر بن محمد المتوكل بالله إلى جانب قدراته السياسية وبطولاته العسكرية يتمتع بإمكانيات علمية وأدبية عالية حتى أنه هيَّأ بلاطه الزاهر للعلماء وبسطه للأدباء، فكان قصره الملكي شبيهًا بجامعة أدبية علمية (٤).

والظاهر أن صلته بأبي الوليد الباجي كانت مبنية على الناحية العملية أكثر


(١) وبالرغم من هذه الخصال المحمودة التي كان يتحلى بها المقتدر بالله إلا أن له مؤاخذات عديدة ومخالفات سياسية منافية لتعاليم الشريعة الإسلامية قادحة في شخصيته (انظر البيان المغرب لابن عذارى: ٣/ ٢٢٣ - ٢٢٩. دول الطوائف لعنان: ٢٧٦ - ٢٧٩).
(٢) قلائد العقيان لابن خاقان: ٢١٥.
(٣) دول الطوائف لعنان: ٢٨٢.
(٤) أعمال الأعلام لابن الخطيب: ١٨٥ - ١٨٦. المعجب للمراكشي: ١١١. دول الطوائف لعنان: ٨٨ - ٩٣.

<<  <   >  >>