للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها علمية متمثلة في مهام ميدانية، فقد أسند إليه مهمة القضاء وكلفه به، ثم ندبه ليطوف بحواضر الأندلس قصد توحيد جهود المسلمين وجمع كلمة الملوك ولمِّ الشعث والوقوف صفًا واحدًا متراصيًّا ضد ألفونس السادس العدو المشترك الذي كان يتربص بهم الدوائر بعدما قويت شوكته، وتكتفت ضغوطه على طليطلة (١).

وفي سبيل هذه القضية المطلوبة شرعًا لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (٢) وغيرها من النصوص فقد بذل أبو الوليد الباجي قصارى جهده، واستفرغ كل وسعه، فطاف على ملوك الطوائف مؤديًا واجب النصح للأئمة وواعظًا ومنذرًا لهم من عواقب التشتت والتفرق والخلاف، ومظهرًا لهم خطر عدوهم ووجوب صد العدوان، وكان الملوك يُبدون له التقدير والإجلال ظاهرًا ويستبردون نزعته باطنًا، وما كان ذلك ليضيره فقد أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة ونصح الأمة، وفي هذا السِّياق يقول ابن بسام: ( ... على أنه لأوَّل قدومه رفع صوته بالاحتساب، ومشى بين ملوك أهل الجزيرة بصِلة ما انبتَّ من تلك الأسباب، فقام مقام مؤمن آل فرعونَ لو صادف أسماعًا واعية، بل نفخ في عظام ناخرة، وعَكَفَ على أطلال داثرة، بيد أنه كلَّما وفد على ملك منهم في ظاهر أمره لقيه بالترحيب، وأجزل حظَّه بالتأنُّس والتقريب، وهو في الباطن يَسْتَجْهِلُ نَزْعَتَهُ، ويَسْتَثْقِلُ طَلْعَتَه، وما كان أفْطَنَ الفقيه رحمه الله، بأمورهم، وأعلمه بتدبيرهم، لكنه كان يرجو حالًا تثوب، ومذنبًا يتوب) (٣).

وعملًا بالمبدأ الشرعي السابق، فلم يزل أبو الوليد الباجي في سفارته بين ملوك الطوائف مجتهدًا يؤلفهم على نصرة الإسلام، ونبذ أحقادهم، وجمع


(١) الحلة السيراء لابن الأبار: ٢/ ٩٨.
(٢) جزء من آية ١٠٣ من سورة آل عمران.
(٣) الذخيرة لابن بسام: ٢/ ٢/ ٩٥ - ٩٦.

<<  <   >  >>