للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرنا والده في سنة إحدى وتسعين، وإنَّ قرواشًا وليَ الموصِل بعده، فطالت أيامه، واتَّسعت مملكته، فكان بيده الموصل والمدائن والكوفة وسقي الفرات، وقد خطب في بلاده للحاكم صاحب مصر، ثم رجع عن ذلك وخطب لخليفة الْإِسلام القادر باللَّه. فجهَّز صاحب مصر جيشًا لحربه، ووصلت الغُزّ إلى الموصل ونهبوا دار قِرْواش، وأخذوا له من الذهب مائتي ألف دينار، فاستنجد عليهم بدُبَيْس بن صدقة الْأَسَديّ، واجتمعا على حرب الغزِّ، فنصرا عيهم، وقتلا منهم خلقًا.

وكان قِرواش ظريفًا أديبًا شاعرًا نهَّابًا وهَّابًا جوّادًا.

ومِن شِعرهِ:

مَنْ كان يحمَدُ أو يذمّ مُوَرِّثًّا ... للمال من آبائه وجدوده

فأنا امرؤٌ لله أشكر وحده ... شكرًا كثيرًا جالبًا لمزيده

لي أشقرٌ ملء العِنانِ مُغَاوِرٌ ... يُعطيك ما يُرْضيك من محموده

مهند غضبٌ إذا جرّدْتُهُ ... خلت البروقَ تموج في تجريده

وبذا حويتُ المال إِلَّا أنني ... سلطتُ فيه يدي على تبديده١

وكان على سنن العرب، فورد أنّه جمع بين أختين فلاموه، فقال: خبِّروني ما الذي نستعمل من الشَّرع حتّى تتكلّموا في هذا.

وقال مرّةً: ما في رقبتي غير دمٍ خمسةٍ أو ستةٍ من العرب قتلْتُهم، فأمَّا الحاضرة فما يعبأ اللَّه بهم٢.

ثم إنَّه وقع بينه وبين بركة ابن أخيه، فقبض عليه بركة وحبسه، وتلقَّب: زعيم الدّولة، وذلك في سنة إحدى وأربعين هذه، فلم تطُل دولته ومات في أواخر سنة ثلاثٍ وأربعين، فقام بعده أبو المعالي قُريش بن بدران بن مقلّد ابن أخيه، فأوّل ما ملك عمد إلى عمّه قِرواش أخرجه من السجن وقتله صبرًا بين يديه، وذلك في رجب سنة أربعٍ وأربعين.

وقيل: بل مات في سجنه، وقوي أمر قريش وعظم شأنه.


١ الأبيات في الكامل في التاريخ "٩/ ٥٨٨".
٢ المنتظم "٨/ ١٤٧"، وفيات الأعيان "٥/ ٢٦٧".