مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ:
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، قَالَا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ فَرَغَ مِنْ بَدْرٍ بَشِيرَيْنِ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ فَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى أَهْلِ السَّافِلَةِ، وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ، فَبَشَّرُوا وَنَعَوْا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ وَالْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ قَالَ: وَيْلَكُمْ، أَحَقٌّ هَذَا؟ هَؤُلَاءِ مُلُوكُ الْعَرَبِ وَسَادَةُ الناس. ثم خرج إلى أَبِي وَدَاعَةَ، فَجَعَلَ يَبْكِي عَلَى قَتْلَى قُرَيْشٍ، وَيُحَرِّضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِكِ أَهْلِهَا ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلُّ وَتَدْمَعُ
قُتِلَتْ سُرَاةُ النَّاسِ حَوْلَ حِياضِهِمْ ... لا تَبْعُدُوا إِنَّ الْمُلُوكَ تُصَرَّعُ
كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهَا مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ ... ذِي بَهْجَةٍ تَأْوِي إِلَيْهِ الضِّيَعُ
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُذَلُّ بِسَخْطِهِمْ ... إِنَّ ابْنَ الْأَشْرَفِ ظَلَّ كَعْبًا يَجْزَعُ
صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضَ سَاعَةَ قُتِّلُوا ... ظَلَّتْ تَسُوخُ بِأَهْلِهَا وَتَصَدَّعُ
نُبِّئْتُ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ كُلَّهُمْ ... خَشَعُوا لِقَوْلِ أَبِي الْوَلِيدِ وَجَدَّعُوا
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ, فَشَبَّبَ١ بِأُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ:
أَرَاحِلٌ أَنْتَ لَمْ تَحْلُلْ بِمَنْقَبَةٍ ... وَتَارِكٌ أَنْتَ أُمَّ الْفَضْلِ بِالْحَرَمِ
فِي كَلَامٍ لَهُ, ثُمَّ شَبَّبَ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى آذَاهُمْ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَ ابْنُ الْأَشْرَفِ قَدْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْهِجَاءِ، وَرَكِبَ إِلَى قُرَيْشٍ فقدم عليهم فاستغواهم على رسول الله، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: أُنَاشِدُكَ اللَّهَ، أَدِينُنَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُمْ سَبِيلًا. ثُمَّ خَرَجَ مُقْبِلًا قَدْ أَجْمَعَ رَأْيَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعْلِنًا بِعَدَاوَتِهِ وَهِجَائِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْجَمَّالُ الْمَخْرَمِيُّ -الَّذِي قَالَ فِيهِ ابْنُ عَدِيِّ: كَانَ عِنْدِي مِمَّنْ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ. قُلْتُ: لَكِنْ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ- ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، ثَنَا عَمْرٌو، عن عكرمة،
١ شبب الشاعر: ذكر أيام اللهو والشباب. وبفلانة: تغزل بها ووصف حسنها. المعجم الوجيز "٣٣٣".