وفيها: اهتم المأمون ببناء طُوَانة من أرض الروم، وحشد لها الرجال والصُّنّاع، وأمر ببنائها ميلًا في ميل. وقرّر ولده العبّاس على بنائها، ولزِمه عليها أموال لَا يحصيها إلّا الله تعالى١، وهي على فم الدَّرْب ممّا يلي طَرَسُوس. وافتتح عدّة حصون.
"ذِكر المِحْنة":
في أثناء السنة كتب المأمون إلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخُزَاعيّ، ابن عمّ طاهر بن الحُسين، في امتحان العلماء، كتابًا يقولُ فيه: وقد عرف أمير المؤمنين أنّ الجمهور الأعظم والسَّواد الأكبر مِن حَشو الرَّعيّة، وسَفْلَة العامّة، ممّن لَا نظر له ولا رَوِيّة ولا استضاءة بنور العِلم وبرهانه، أهل جهالةٍ بالله تعالى وعَمًى عنه، وضلالةٍ عن حقيقة ديِنه، وقصورٍ أن يَقْدُرُوا الله حق قَدْره، ويعرفوه كُنْه معرفته، ويُفرّقوا بينه وبين خلْقه. وذلك أنّهم ساوَوْا بين الله وبين خلْقِهِ، وبين ما أُنزل من القرآن. فأطبقوا على أنّه قديم لم يخلقْه الله ويخترعه. وقد قال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف: ٣] فكلّ ما جعله الله فقد خلقه كما قال: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور} ، وقال:{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ}[طه: ٩٩] فأخبر أنّه قصصٌ لأمور أحدثهُ بعدها. وقال:{أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ}[هود: ٢] والله مُحْكم كتابَه ومُفَصِّلُهُ، فهو خالقه ومُبْتَدِعُهُ. ثم انتسبوا إلى السنة، وأنهم أهل الحق