للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحداث السنة السادسة]

[غزوة الغابة]

...

[أحداث السنة السادسة]

قَالَ البكّائي، عَنِ ابن إِسْحَاق: ثُمَّ أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة ذا الْحَجَّةِ والمحرَّم وصَفَرًا وشهرَيْ ربيع، وخرج فِي جُمَادى الأولى إلى بني لحْيان يطلب بأصحاب الرَّجيع: خُبَيْب بْن عَدِيّ وأصحابه، وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوة غرة، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رؤس الجبال. فقال: لو أن هبطنا عُسْفان لرأى أهلُ مكة أنّا قد جئنا مكة. فهبط فِي مائتي راكب من أصحابه حتى نزلوا عسفان. ثم بعث فارسَيْن من أصحابه حتى بلغا كِراعَ الغَمِيم، ثُمَّ كَرّا. وراح قافلًا.

[غزوة الغابة]

أو غزوة ذي قرد: ثم قدم فأقام بِهَا ليالي، فأغار عُيَيْنَة بْن حصْن فِي خيل من غَطفان عَلَى لِقَاحِ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالغابة١، وفيها رَجُل من بني غِفار وامرأة، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة فِي اللّقاح.

وكان أوّل من نذر بهم سَلَمَةُ بْن الأكْوَع، غدا يريد الغَابة ومعه غلام لطلحة بْن عُبَيْد الله معه فَرَسه، حتى إذا علا ثَنِيَّةَ الوداع٢ نظر إلى بعض خيولهم فأشرف فِي ناحية من سَلْع، ثم صرخ: وا صباحاه، ثُمَّ خرج يشتدّ فِي آثار القوم، وكان مثل السّبع، حتى لحق بالقوم, وجعل يردّهم بنَبْله، فإذا وُجّهت الخيل نحوه هرب ثُمَّ عارضهم فإذا أمكنه الرمْي رمى. وبلغ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ فصرخ بالمدينة: الفزع الفَزَعَ. فنزلت الخيول إِلَى رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان أول من انتهى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ الفرسان المِقداد وعَبّاد بْن بشْر، وأسيد بْن ظُهَيْر، وعُكّاشة بْن مِحْصَن وغيرهم. فأمر عليهم سعدَ بْن زيد، ثُمَّ قَالَ: "أخرج فِي طلب القوم حتى ألحقك بالنّاس". وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما بلغني لأبي عَيّاش: "لو أعطيت فرسك رجلًا منك". فقلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أفرس النّاس, وضربت الفرسَ فَوَالله ما مشى بي إلّا خمسين ذراعًا حتى طرحني فعجبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لو أعطيته أفرس منك وجوابي لَهُ".

ولم يكن سَلَمَةَ بْن الأكْوَع يومئذٍ فارسًا، وكان أوّل من لحق القومَ عَلَى رِجْلَيْه. وتلاحق الفُرسان فِي طلب القوم, فأول من أدركهم محرز بن نضلة الأسدي.


١ موضع قرب المدينة من ناحية الشام، بينه وبين سلع ثمانية أميال.
٢ ثنية الوداع: هي ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة.