للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِسْمُ غنَائِمِ حُنَيْنٍ وَغَيْر ذَلِك:

قَالَ ابن إِسْحَاق:

ثمّ خَرَجَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى رُحَيْلٍ، حتّى نزل بالناس بالجِعْرَانة. وكان معه من سَبْيِ هَوازن ستة آلاف من الذرّية، ومن الإبل والشَّاء ما لَا يُدْرى عدّته.

وَقَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، ثَنَا السِّمْطُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: افْتَتَحْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَيْنًا، فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ. قَالَ: فَصُفَّ الْخَيْلُ، ثُمَّ صُفَّتِ الْمُقَاتِلَةُ، ثُمَّ صُفَّ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، ثُمَّ صُفَّ الْغَنَمُ ثُمَّ صُفَّ النَّعَمُ. قَالَ: وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ قَدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آلَافٍ؛ أَظُنُّهُ يُرِيدُ الْأَنْصَارَ. قَالَ: وَعَلَى مُجَنِّبَةِ خَيْلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تَلُوذُ خَلْفَ ظُهُورِنَا.

فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيْلُنَا وَفَرَّتِ الْأَعْرَابُ, فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا للمهاجرين يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، يَا لَلْأَنْصَارِ يَا لَلْأَنْصَارِ". قَالَ أَنَسٌ: هَذَا حَدِيثُ عِمِّيَّةٍ١.

قُلْنَا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَتَقَدَّمَ، فَايْمُ اللَّهِ مَا أَتَيْنَاهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ. قَالَ فَقَبَضْنا ذَلِكَ الْمَالَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ, قَالَ: فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً, ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَكَّةَ وَنَزَلْنَا. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِي الرجل أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَكَّةَ وَنَزَلْنَا, فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ، وَيُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ, فَتَحَدَّثَتِ الْأَنْصَارُ بَيْنَهُمْ: أَمَّا مَنْ قَاتَلَهُ فَيُعْطِيهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُ فَلَا يُعْطِيهِ. قَالَ: ثُمَّ أَمَر بِسَرَاةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ -لَمَّا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ- أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ, فَدَخَلْنَا الْقُبَّةَ حَتَّى مَلَأْنَاهَا. فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، أَوْ كَمَا قَالَ- مَا حَدِيثٌ أَتَانِي"؟ قَالُوا: مَا أَتَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "أَمَا تَرْضَوْن أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَتَذْهَبُوا بِرَسُولِ اللَّهِ حَتَّى تُدْخِلُوهُ بُيُوتَكُمْ"؟ قَالُوا: رَضِينَا. فَقَالَ: "لَوْ أَخَذَ النَّاسُ شِعْبًا وَأَخَذَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا أَخَذْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ". قَالُوا: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "فَارْضَوْا". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ٢.

وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ؛ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا. فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتِ الشِّدَّةُ فَنَحْنُ نُدْعَى، وَيُعْطَى الغنيمة غيرنا.


١ حديث عمية: أي: حدثني به أعمامي.
٢ في "الزكاة" "١٣٢/ ١٠٥٩"، وغيره.