للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنكار الرُّسل، وتحريم الحيوانات وإيذائها، حتّى الحيات والعقارب.

وفي شِعره ما يدُل على غير هذا المذهب، وإن كان لَا يستقر به قرار، ولا يبقى على قانونٍ واحد، بل يجري مع القافية إذا حصلت كما تجيء، لَا كما يجب، فأنشدني أبو المكارم الأَسَديّ رئيس أَبْهَر قال: أنشدنا أبو العلاء لنفسه:

أقرُّوا بالْإِله وأثبَتُوهُ ... وقالوا: لا نبيَّ ولا كتابُ

ووطءُ بناتِنا حلٌّ مُباحٌ ... رويدكمُ فقد بطُلَ العتابُ

تَمَادَوْا في الضّلالِ١ فلم يتوبوا ... ولو سمعوا صليلَ السّيفِ تابوا

وبه قال: وأنشدني أبو تمّام غالبُ بن عيسى الأنصاريّ بمكّة: أنشدنا أبو العلاء المَعَرّيّ لنفسه:

أتتني من الأيّام ستُّون حجَّةً ... وما أَمْسَكَت كفَّايَ بِثْنَى عنانِ

ولا كان لي دارٌ ولا ربعُ منزلٍ ... وما مسّني من ذاك روعُ جنانِ

تذكَّرتُ أنّي هالكٌ وابنُ هالكٍ ... فهانَتْ عليَّ الأرضُ والثقلانِ

إلى أن قال السِّلفيّ: ومما يدل على صحة عقيدته ما سمعت الخطيب حامد بن بُختيار النُّميريّ بالسِّمسمانيّة -مدينة بالخابور- قال: سمعت القاضي أبا المهذب عبد المنعم بن أَحْمَد السَّروجيّ: سمعت أخي القاضي أبا الفتح يقول: دخلت على أبي العلاء التَّنوخيّ بالمعرَّة ذات يومٍ في وقت خلوةٍ بغير علمٍ منه، وكنت أتردَّدُ إِلَيْهِ وأقرأ عليه، فسمعته وهو ينشد من قيلهِ:

كم غُودِرَت غادةٌ كعاب ... وعمرت أمها العجوزُ

أحرزها الولدان خوفًا ... والقبرُ حِرزٌ لها حريزُ

يجوزُ أن تُبْطئُ٢ المنايا ... والخُلْدُ في الدَّهرِ لَا يجوزُ

ثم تأوَّه مرات وتلا: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ، وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ، يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: ١٠٣-١٠٥] .


١ سير أعلام النبلاء "١٨/ ٣٢".
٢ في سير أعلام النبلاء: "تخطئ" "١٨/ ٣٢".