للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعدل إملاء سنة ست وأربعمائة، حدثنا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ خُزَيْمَةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ، ثنا شَبَابَةُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْبَصْرَةَ قَامَ إِلَيْهِ ابْنُ الْكَوَّاءِ، وَقَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ فَقَالا لَهُ: أَلا تُخْبِرُنَا عَنْ مَسِيرِكَ هَذَا الَّذِي سِرْتَ فِيهِ، تَتَوَلَّى عَلَى الأُمَّةِ، تَضْرِبُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، أَعَهْدٌ من رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهِدَهُ إِلَيْكَ، فَحَدِّثْنَا فَأَنْتَ الْمَوْثُوقُ الْمَأْمُونُ عَلَى مَا سَمِعْتَ، فَقَالَ: أَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدِي عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ فَلا، وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ أَوَّلَ مَنْ صَدَّقَ بِهِ، فَلا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدٌ فِي ذَلِكَ، مَا تَرَكْتُ أَخَا بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُومَانِ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَلَقَاتَلْتُهُمَا بِيَدِي، وَلَوْ لَمْ أَجِدْ إِلا بُرْدِي هَذَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُقْتَلْ قَتْلا، وَلَمْ يَمُتْ فَجْأَةً، مَكَثَ فِي مَرَضِهِ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ، يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤَذِّنُهُ بِالصَّلاةِ، فَيَأْمُرُ أَبَا بَكْرٍ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَهُوَ يَرَى مَكَانِي، ثُمَّ يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤَذِّنُهُ بِالصَّلاةِ، فَيَأْمُرُ أَبَا بَكْرٍ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَهُوَ يَرَى مَكَانِي، وَلَقَدْ أَرَادَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ أَنْ تَصْرِفَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَأَبَى وَغَضِبَ وَقَالَ: "أَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ".

فلمّا قبض الله نبيه، نظرنا فِي أمورنا، فاخترنا لُدنيانا من رضيه نبيُّ الله لدِيننا. وكانت الصلاة أصل الْإِسْلَام، وهي أعظم الأمر، وقوام الدين. فبايعنا أَبَا بَكْر، وكان لذلك أهلًا، لم يختلف عليه منّا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأدّيتُ إِلَى أبي بَكْر حقَّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه فِي جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض، ولّاها عُمَر، فأخذ بسُنَّة صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعْنا عُمَر، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع البراءة منه. فأدّيتُ إِلَى عمر حقه، وعرفت طاعته، وغزوت معه فِي جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسَوْطي.

فَلَمَّا قُبِض تذكَّرت فِي نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن أن لَا يَعْدِلَ بي، ولكنْ خشي أن لَا يعمل الخليفة بعده ذَنْبًا إلّا لحِقَه فِي قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إِلَى رهطِ من قريش ستّة، أَنَا أحدهم.