للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النّاس: لَا ترموا أحدًا بسهم، وكلِّموا القوم، فإنّ هذا مقام من فَلَجَ فيه فُلِج يوم القيامة، قَالَ: فتوافقنا حتّى أتانا حَرُّ الحديد، ثمّ إنّ القوم نادوا بأجمعهم: "يا لثارات عثمان"، قال: وابن الحنفية رتوة١ معه اللّواء، فمدّ عليٌّ يديه وَقَالَ: اللَّهُمَّ أكِبَّ قتله عثمان على وُجُوههم، ثمّ إن الزُّبَيْر قَالَ لأساوِرَة معه: ارموهم ولا تبلغوا، وكأنّه إنّما أراد أن ينشب القتال. فلمّا نظر أصحابنا إلى النّشّاب لم ينتظروا أن يقع إلى الأرض، وحملوا عليهم فهزمهم الله. ورمى مروان طلحة بسهْمٍ فشكّ ساقه بجَنْب فَرَسه.

وعن أبي جرو المازِنّي قَالَ: شهدت عليًّا والزبير حين توافقا، فَقَالَ له عليّ: يا زُبير أنْشُدُك الله أسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إنّك تقاتلُني وأنت ظالم لي" قَالَ: نعم ولم أَذْكُرُه إلّا في موقفي هذا، ثمّ انصرف٢.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ: يَا حَسَنُ، لَيْتَ أَبَاكَ مَاتَ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَتِ قَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، قَالَ: يَا بُنَيَّ لَمْ أر أن الأمر يبلغ هذا.

وقال سعد ابن سعد: إنّ محمد بن طلحة تقدّم فأخذ بخطام الجمل، فحمل عليه رجل، فقال محمد: أذكركم "حم" فطعنه فقتله، ثُمَّ قَالَ في محمد:

وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بآيات ربِّهِ ... قليلِ الَأذَى فيما ترى العينُ مسلمِ

هتكتُ له بالرّمح جيبَ قميصه ... فَخَرّ صَريعًا لليّدَيْن وللفم

يُذَكّرني حم وَالرُّمْحُ شاجر ... فهلا تلاحم قبل التَّقدُّمِ

على غير شيءٍ غيرَ أنْ ليس تابعًا ... عليًّا ومَن لَا يَتْبَعِ الْحَقَّ يندَمِ

فسار عليّ ليلته في الْقَتْلَى، معه النيران، فمر بمحمد بن طلحة قتيلًا، فَقَالَ: يا حسن "محمّد السّجّاد وربّ الكعبة"، ثمّ قَالَ: أبوه صَرَعَه هذا المصرع، ولولا برِّه بأبيه مَا خَرَج. فَقَالَ الحسن: ما كان أغناك عن هذا، فقال: ما لي وما لك يا حسن.


١ الرتوة: الخطوة.
٢ أخرجه البيهقي في "الدلائل" "٦/ ٤١٥".