فلمّا قدم الرسول أحضر المعتمد الأكابر، وقرئ الكتاب، فبكى أبو عبد الله بن عبد البَر وقال: قد أبصرنا ببصائرنا أنَّ مآل هذه الأموال إلى هذا، وأن مسالمة الّعين قوّة بلاده، فلو تضافرنا لم نصبح في التّلاف تحت ذلّ الخلاف، وما بَقِي إلّا الرجوع إلى الله والجهاد.
وأما ابن زيدون وابن لَبُون فقالا: الرأي مهادنته ومسالمته. فجنح المعتمد إلى الحرب، وإلى استمداد ملك البربر، فقال جماعة: نخاف عليك من استمداده. فقال: رعْي الْجِمال خيرٌ من رعي الخنازير.
جواب المعتمد بن عبّاد إلى الأدفونش:
ثمّ أخذ وكتب جواب أدفونش بخطِّهِ، ونصّه:
الذّلُّ تأباه الكرامُ ودِيننا ... لك ما ندين به من البأساءِ
سمناك سلمًا ما أردت وبعد ذا ... نغزوك في الإصباح والإمساءِ
الله أعلى من صليبك فادرع ... لكتيبة خطبتك في الهيجاء
سوداء غابت شمسها في غَيْمها ... فجرت مدامُعها بفَيْض دماءِ
ما بيننا إلّا النّزال وفتنة ... قدحت زِناد الصّبر في الغماءِ
من الملك المنصور بفضل الله المعتمد على الله محمد بن المعتضد بالله، إلى الطّاغية الباغية أدفونش الّذي لقَّب نفسه ملك الملوك، وتسمّى بذي الملَّتين. سلام على من اتَّبع الهُدى، فأول ما نبدأ به من دعواه أنه ذو المِلَّتين والمسلمون أحقّ بهذا الاسم؛ لأنّ الذي نملكه من نصارى البلاد، وعظيم الاستعداد، ولا تبلغه قدرتكم، ولا تعرفه ملّتكم. وإنّما كانت سِنَةُ سعدٍ اتَّعظ منها مناديك، وأغفل عن النّظر السّديد جميل مُناديك، فركبنا مركب عجز يشحذ الكْيس، وعاطيناك كؤوس دعةٍ، قلت في أثنائها: ليس. ولم تستحي أن تأمر بتسليم البلاد لرجالك، وإنّا لنعجب من استعجالك وإعجابك بصنعٍ وافقك فيه القَدَر، ومتى كان لأسلافك الأخدمين مع أسلافنا الأكرمين يدٌ صاعدة، أو وقفة مساعدة، فاستعد بحربٍ، وكذا وكذا.. إلى أن قال: فالحمد لله الذي جعل عقوبة توبيخك وتقريعك بما الموت دونه، والله ينصر دينه ولو كره الكافرون، وبه نستعين عليك.