للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعضُهم لبعض: مُرّاكش. وكان بناء مدينة مُرّاكش في سنة خمسٍ وستين وأربعمائة، اشتراها يوسف بماله الّذي خرج بِهِ من الصحراء. وكان في موضعها غابة من الشَّجَر وقرية. فيها جماعة من البربر، فاختطهّا، وبنى بها القصور والمساكن الأنيقة. وهي في مرجٍ فسيحٍ وحولها جبال على فراسخ منها، وبالقرب منها جبل عَلَيْهِ الثلج، وهو الّذي يعدّل مِزَاجَها. وقيل: كانت لعجوزٍ مَصْمُوديّة. فأسكن مُرّاكش الخَلْق، وكثرت جيوشه وبعد صِيتُه، وخافتْه ملوك الأندلس، وكذلك خافته ملوك الفرنج؛ لأنّها علمت أَنَّهُ ينجد الأندلسيّين عليهم. وكان قد ظهر للملثَّمين في الحروب ضَرَبات بالسّيوف تقدّ الفارس، وطعنات تنظم الكُلَى، فكتب إِلَيْهِ المعتمد يتلطّف بِهِ، ويسأله أنّ يعرض عَنْ بلاده لمّا رأى هِمَّتَه عَلَى قصْد الأندلس، وأنه تحت طاعته. فيقال كان في المتاب: فإنك إنّ أعرضت عنّا نُسِبْتَ إلى كَرَمٍ، ولم تُنْسَب إلى عَجْز، وإنْ أَجَبْنا داعيك نُسِبنا إلى عقلٍ، ولم نُنْسَب إلى وهْن، وقد اخترنا لأَنْفُسِنا أجمل نسبتَيْنا. وإنّ في استبقائك ذوي البيوت دوامًا لأمرك وثبوت. وأرسل لَهُ تُحَفًا وهدايا. وكان بربريًّا لا يكاد يفهم، ففسَّرَ لَهُ كاتبه تِلْكَ الكلمات، وأحسن في المشورة عَلَيْهِ، فأجاب إلى السلم. وكتب كاتبه عَلَى لسانه: من يوسف بْن تاشَفِين، سلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته تحيّة من سالمكم، وسلّم إليكم، حكَّمَهُ التّأييد والنَّصْر فيما حكم عليكم، وإنّكم في أوسع إباحة ممّا بأيديكم من المُلْك، وأنتم مخصوصون منّا بأكرم إيثار، فاسْتَدِيموا وفاءنا بوفائكم، واستصلحوا إخاءنا بإصلاح إخائكم، واللَّه وليُّ التّوفيق لنا ولكم، والسلام. ففرح بكتابه ابن عَبّاد وملوك الأندلس، وقويت نفوسهم عَلَى دفع الفرنج، ونَوَوْا إنْ رأوا من ملك الفرنج ما يرِيُبهُم أن يستنجدوا بابن تاشَفِين. وصارت لابن تاشَفِين بفعله محبّةٌ في نفوس أهل الأندلس. ثمّ إنّ الأذفُونْش أَلحَّ عَلَى بلاد ابن عَبّاد، فقال ابن عَبّاد في نفسه: إنْ دُهِينا من مُداخله الأضداد، فأَهْوَن الأمرَيْن أمر الملثَّمين، ورعاية أولادنا جمالهم أهون من أن يَرْعَوْا خنازير الفرنج. وبقي هذا الرأي نصب عينه، فقصده الأذفونش في جيشٍ عَرَمْرَمٍ، وجفل النّاس، فطلب من ابن تاشَفِين النجدة، والجهاد. وكان ابن تاشَفِين عَلَى أتم أهبةٍ، فشرع في عُبور جيشه. فلمّا رأى ملوك الأندلس عبور البربر للجهاد، استعدوا أيضًا للنجدّة، وبلغ ذَلِكَ الأذفونش، فاستنفر دِينَ النَّصرانيّة، واجتمع لَهُ جنودٌ لا يُحْصِيهم إلّا اللَّه. ودخل مَعَ ابن تاشفين شيء عظيمٌ من الجمال، ولم يكن أهل جزيرة