للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأبلغه، فَعَزَّ عَلَيْهِ، وبقي بالحضرة أيّامًا حتّى نفيت نَفَقَتُه، فأتى خادمها فقال: قد أردت بيع هذا المهر، فأعطني مثقالين أتزود بهما إلى أهلي، وخذه فأنت أولى. فسرَّ الخادم وأعطاه، ودخل مسرورًا بالمهر، وأخبر السّتّ، فرقَّت لَهُ، وقالت: ائتني بِهِ. فأسرع وأدخله عليها، فقالت: تمدح حواء وتسرف، وزعمت أَنَّهُ لَيْسَ في النّساء أحسن منها، وما هذه منزلة القُضاة. فقال في الحال:

أنت بالشمس لاحِقَهْ ... وهي بالأرض لاصقهْ

فمتى ما مدحتها ... فهي في سيرَ طالقهْ

فقالت: يا قاضي طَلّقْتَها؟!. قَالَ: نعم. ثلاثة وثلاثة وثلاثة. فضحكت حتّى افتضحت، وكتبت إلى يوسف يردّه إلى القضاء. قلت: ولا رَيْب أنّ يوسف ملكٌ من الملوك، بَدَت منه هنّات وزلّات، ودخل في دهاء الملوك وغدرهم. ولمّا أخذ إشبيلية من المعتمد شن عسكر ابن تاشَفِين الغارة بإشبيلية، وخلّوا أهلها عَلَى برْد الدّيار، وخرج النّاس من بيوتهم يسترون عوراتهم بأيديهم، وافتُضَّت الأبكار. وتتابعت الفتوحات لابن تاشَفِين، وكانت فقهاء الأندلس قالوا: له لا يجب طاعتُك حتّى يكون لك عهد من الخليفة. فأرسل إلى العراق قومًا من أهله بهدايا. وكتابًا، يذكر فيه ما فعل بالفرنج. فجاءه أمر المستظهر باللَّه أحمد رسول بهديّة، وتقليد وخِلْعة، وراية. وكان يقتدي بآراء العلماء، ويعظّم أهل الدين. ونشأ ولده عليّ في العفاف والدّين والعِلْم، فولّاه العهدَ في سنة تسعٍ وتسعين وأربعمائة. وتُوُفّي يوسف في يوم الإثنين ثالث المحرَّم سنة خمسمائة، ورخه ابن خلكان، وقبله عز الدين بن الأثير، وغيرهما. وعاش تسعين سنة. قَالَ الْيَسَعُ بْن حَزْم: فمِن فضله أَنَّهُ لما أراد بناء مُرّاكش ادّعى قومٌ مَصَامِدَةٌ فيها أرضًا، فأرضاهم بمالٍ عظيم. وكان يلبس العباء، ويُؤثر الحياء، ويقصد مقاصد العز في طُرُق المعالي، ويكره السفساف، ويحب الشرف المتعالي، ويقلد العلماء، ويؤثر الحُكَماء، يتدبّر مَرْضَاتهم. وإذا دخل عَلَيْهِ من طَوْل ثيابه وجرّها ... ١ إِلَيْهِ وجهه، وأعرض عَنْهُ، فإن كَانَ ذا ولاية عزله. وكان كثير الصدقة عظيم البِرّ والصّلة للمساكين، رحمه اللَّه.


١ بياض في الأصل.