للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحرب، فثبت لهم المسلمون فانحاز الملاعين إلى جَبَل، ورابط المسلمون بإزائهم يرمونهم بالنُّشّاب، فأقاموا كذلك ستّةً وعشرين يومًا١، وهذا شيء لم يُسمع بمثاله قطّ، وعُدِموا الأقوات.

ثمّ سار المسلمون إلى بَيْسان، فنهبوا بلاد الفرنج وضياعهم مِن القدس إلى عكّا، ورجعوا فنزلوا بمرج الصفر، وسافرت عساكر المَوْصِل٢.

اغتيال مودود صاحب المَوْصِل:

ودخل مودود في خواصّه دمشق، وأقام عند صاحبه طُغتِكين، وأمر عساكره بالبحر في الربيع ونزل هُوَ وطغتكين يوم الجمعة في ربيع الأول للصلاة، ومشى ويده في يد طغتكين في صحن الجامع، فوثب عَلَى مودود باطنيّ جرحه في مواضع، وقُتِل الباطنيّ وأُحرق٣.

قَالَ أبو يَعْلَى حمزة٤: ولمّا قُضَيت الجمعة تنفّل بعدها مودود، وعاد هُوَ والأتابك وحولهما مِن الأتراك والدَّيلم والأحداث بأنواع السّلاح مِن الصّوارم والصّمصامات والخناجر المجرَّدة ما شاكل الأَجَمَة المشتبكة، فلمّا حصلا في صحن الجامع وثب رجلٌ لَا يُؤبَه لَهُ، فقرب مِن مودود كأنّه يدعو لَهُ ويتصدَّق عَليْهِ، فقبض ببند قبائه، وضربه بخنجر أسفل سُرَّته ضربتين، هذا والسّيوف تنزل عَليْهِ. ومات مودود ليومه صائمًا. وكان فيه عدل وخير.

فقيل: إنّ الإسماعيلية قتلته.

وقيل: بل خافه طُغتِكين، فجهز عَليْهِ الباطني، وذلك بعيد.

قَالَ ابن الأثير٥: حدَّثني والدي -رحمه الله- أنّ ملك الفرنج كتب إلى طُغتِكين كتابًا فيه: وإنّ أمّة قتلت عميدها، يوم عيدها، في بيت معبودها، لحقيق على الله أن يبيدها.


١ التاريخ الباهر "١٩"، والعبر "٤/ ١٢"، وعيون التواريخ "١٢/ ٢١".
٢ الكامل "١٠/ ٤٩٥، ٤٩٦"، والعبر "٤/ ١٢".
٣ البداية والنهاية "١٢/ ١٧٣"، وشذرات الذهب "٤/ ٢٠، ٢١".
٤ في ذيل تاريخ دمشق "١٨٧".
٥ في الكامل في التاريخ "١٠/ ٤٩٧"، والتاريخ الباهر "١٩".