للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والله ولكن لما بعده، قال: قد كُنْتَ عَلَى خَيْرٍ، فَجَعَلَ يُذَكِّرُهُ صُحْبَةَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- وفتوحه الشام، فقال عمرو: تركت أفضل من ذلك كله، شهادة أن لا إله إلا الله، إِنِّي كُنْتُ عَلَى ثَلَاثِ أَطْبَاقٍ١، لَيْسَ مِنْهَا طَبَقَةٌ إِلَّا عَرَفْتُ نَفْسِي فِيهَا: كُنْتُ أَوَّلَ شَيْءٍ كَافِرًا، وَكُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَوْ مِتُّ حِينَئِذٍ لَوَجَبَتْ لِيَ النَّارُ، فَلَمَّا بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ مِنْهُ حَيَاءً، مَا مَلَأْتُ عَيْنَيَّ مِنْهُ، فَلَوْ مِتُّ حِينَئِذٍ لَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لِعَمْرٍو، أَسْلَمَ عَلَى خَيْرٍ، وَمَاتَ عَلَى خَيْرِ أَحْوَالِهِ، ثُمَّ تَلَبَّسْتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ، فَلَا أَدْرِي أَعَلَيَّ أَمْ لِي، فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَلَا يُبْكَى عَلَيَّ وَلَا تُتْبِعُونِي نَارًا، وَشُدُّوا عَلَيَّ إِزَارِي، فَإِنِّي مُخَاصَمٌ، فَإِذَا وَارَيْتُمُونِي فَاقْعُدُوا عِنْدِي قَدْرَ نَحْرِ جَزُورٍ وَتَقْطِيعِهَا، أَسْتَأْنِسُ بِكُمْ، حَتَّى أَعْلَمَ مَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي٢.

أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ حُمَيْدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَاهُ قَالَ حِينَ احْتُضِرَ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَ بِأُمُورٍ وَنَهَيْتَ عَنْ أُمُورٍ، تَرَكْنَا كَثِيرًا مما أمرت، ووقعنا في كثير ممن نَهَيْتَ، اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. ثُمَّ أَخَذَ بِإِبْهَامِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُهَلِّلُ حَتَّى تُوُفِّيَ٣.

وَقَالَ أَبُو فِرَاسٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: إِنَّ عَمْرًا تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ وَدَفَنَهُ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِيدِ.

قَالَ اللَّيْثُ، وَالْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَالْوَاقِدِيُّ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَغَيْرُهُمْ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ، زَادَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: وَسِنُّهُ نَحْوَ مِائَةِ سَنَةٍ.

وَقَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ: وَعُمْرُهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ سنة.

وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ.

فَائِدَةٌ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ثَنَا الْمُزَنِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ وَقَدْ أَصْلَحْتُ مِنْ دُنْيَايَ قَلِيلًا، وَأَفْسَدْتُ مِنْ دِينِي كَثِيرًا، فَلَوْ كَانَ مَا أَصْلَحْتُ هُوَ مَا أَفْسَدْتُ لَفُزْتُ، وَلَوْ كَانَ يَنْفَعُنِي أَنْ أَطْلُبَ طَلَبْتُ، وَلَوْ كَانَ يُنْجِينِي أَنْ أَهْرَبَ هَرَبْتُ، فعظني بموعظة


١ ثلاثة أطباق: ثلاثة أحوال.
٢ خبر صحيح: أخرجه مسلم "١٢١"، وأبو عوانة "١/ ٧٠، ٧١".
٣ إسناده صحيح: أورده الذهبي في السير "٣/ ٧٥".