للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَاتَ قَيْصَرُ كَانَ قَيْصَرُ، فَغَضِبَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَقَالَ لعَبْد الرَّحْمَنِ: هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} [الأحقاف: ١٧] فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَذَبْتَ، إِنَّمَا أَنْزَلَ ذَلِكَ فِي فُلانٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لَعَنَ أَبَاكَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتَ فِي صُلْبِهِ١.

وَقَالَ سالم بن عَبْد اللَّهِ: لَمَّا أرادوا أن يبايعوا ليزيد قَامَ مروان فَقَالَ: سَنَة أَبِي بكر الراشدة المهديّة، فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: ليس بسُنّة أَبِي بكر، وقد ترك أَبُو بكر الأهل والعشيرة، وعدل إِلَى رَجُلٌ من بني عديّ، أن رأي أَنَّهُ لذلك أَهْلًا، ولكنها هِرَقْلية.

وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ مُعَاوِيَةُ عَلَى أَنْ يبايع لابنه حَجَّ، فَقَدِمَ مَكَّةَ فِي نَحْوِ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنَهُ يَزِيدَ فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْهُ؟ ثُمَّ ارْتَحَلَ فَقَدِمَ مَكَّةَ، فَقَضَى طَوَافَهُ، وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَبَعَثَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَتَشَهَّدَ وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ عُمَرَ، إِنَّكَ كُنْتَ تُحَدِّثُنِي أَنَّكَ لا تُحِبُّ تَبِيتُ لَيْلَةً سَوْدَاءَ، لَيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا أَمِيرٌ، وَإِنِّي أُحَذِّرُكَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، أَوْ تَسْعَى فِي فَسَادِ ذَاتَ بَيْنِهِمْ. فَحَمِدَ ابْنُ عُمَرَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ قَدْ كَانَتْ قَبْلَكَ خُلَفَاءُ لَهُمْ أَبْنَاءٌ، لَيْسَ ابْنُكَ بِخَيْرٍ مِنْ أَبْنَائِهِمْ، فَلَمْ يَرَوْا فِي أَبْنَائِهِمْ مَا رَأَيْتَ فِي ابْنِكَ، وَلَكِنَّهُمْ اخْتَارُوا لِلْمُسْلِمِينَ حَيْثُ عَلِمُوا الْخِيَارَ، وَإِنَّكَ تُحَذِّرُنِيَ أَنْ أَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ أَكُنْ لأَفْعَلْ، إِنَّمَا أنا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَإِنَّمَا أنا رَجُلٌ مِنْهُمْ. فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَخَرَجَ ابْنُ عُمَرَ.

ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْكَلامِ، فَقَطَعَ عَلَيْهِ كَلامَهُ، وَقَالَ: إِنَّكَ وَاللَّهِ لَوْدِدْتُ أنا وَكَّلْنَاكَ في أمر ابنك إلى الله، وَإِنَّا وَاللَّهِ لا نَفْعَلُ، وَاللَّهِ لَتَرُدُنَّ هَذَا الأَمْرَ شُورَى فِي الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لنُعِيدُنَّهَا عَلَيْكَ جذعة٢، ثُمَّ وَثَبَ وَمَضَى، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهُمَّ اكْفَنِيهِ بِمَا شِئْتَ، ثُمَّ قَالَ: عَلَى رَسْلِكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ، لَا تُشْرِفْنَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَسْبِقُونِي بِنَفْسِكَ، حَتَّى أُخْبِرُ الْعَشِيَّةَ أنك قد بايعت،


١ إسناده منقطع.
٢ جذعة: يقال: أعدت الأمر جذعا: جديدا كما بدأ.