للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ جُوَيرية بن أسماء: سمعت أشياخنا بالمدينة، مَا لَا أحصى -يقولَوْن: إن مُعَاوِيَة لَمَّا هلك، وعلى المدينة الْوَليد بن عُتْبة بن أَبِي سفيان، أتاه موته من جهة يزيد قَالَ: فبعث إِلَى مروان وبني أمية فأخبرهم، فَقَالَ مروان: ابعث الآن إِلَى الحسين وابن الزبير، فإن بايعا، وَإِلَّا فاضرب أعناقهما، فأتاه الزبير فنعى لَهُ مُعَاوِيَة، فترحم عَلَيْهِ، فَقَالَ: بايع يزيد، قَالَ: مَا هَذِهِ ساعة مبايعة ولا مثلي يبايع ههنا يَا بن الزرقاء، واستبا، فَقَالَ الْوَليد: أَخْرَجَهُمَا عني، وَكَانَ رجلًا رفيقًا سريًا كريمًا، فأخرجا، فجاء الحسين عَلَى تلك الحال، فلم يكلم في شيء، حَتَّى رجعا جميعًا، ثُمَّ رد مروان إِلَى الْوَليد فَقَالَ: واللَّه لَا تراه بعد مقامك إلا حيث يسوءك، فأرسل العيون في أثره، فلم يزد حين دَخَلَ منزله عَلَى أن توضأ وصلى، وأمر ابنه حمزة أن يقدم راحلته إِلَى ذي الحُلَيفة، مما يلي الفرع، وَكَانَ لَهُ بذي الحليفة مال عظيم، فلم يزل صافًا قدميه إِلَى السَحَر، وتراجعت عَنْهُ العيون، فركب دابة إِلَى ذي الحُلَيفة، فجلس عَلَى راحلته، وتوجه إِلَى مكة، وخرج الحسين من ليلته فالتقيا بمكة، فَقَالَ ابن الزبير للحسين: مَا يمنعك من شيعتك وشيعة أبيك! فوالله لَوْ أن لي مثلهم مَا توجهت إِلَّا إليهم، وبعث يزيد بن مُعَاوِيَة عمر بن سَعِيد بن العاص أميرًا عَلَى المدينة، خوفًا من ضعف الْوَليد، فرقي المنبر، وذكر صنيع ابن الزبير، وتعوذه١ بمكة، يعني أَنَّهُ عاذ ببيت اللَّه وحرمه، فوالله لَنَغْزُوَنَه، ثُمَّ لئن دَخَلَ الكعبة لنُحَرَقنها عَلَيْهِ عَلَى رغم أنف من رَغِم٢.

وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حزم: حدثنا محمد بن الزبير، حدثني رُزَيق مولى مُعَاوِيَة قَالَ: بعثني يزيد إِلَى أمير المدينة، فكتب إِلَى بموت مُعَاوِيَة، وأن يبعث إِلَى هؤلاء الرهط، ويأمرهم بالبيعة، قَالَ: فقدمْتُ المدينة ليلًا، فقلت للحاجب: استأذن لي، ففعل، فلما قرأ كتاب يزيد بوفاة مُعَاوِيَة جزع جزعًا شديدَا، وجعل يقوم عَلَى رِجْليه، ثُمَّ يرمي بنَفْسَهُ عَلَى فراشه، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى مروان، فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة موردة، فنعي لَهُ مُعَاوِيَة وأخبره، فَقَالَ: ابعث إِلَى هؤلاء، فإن بايعوا، وَإِلَّا فاضرب أعناقهم، قَالَ: سبحان اللَّه! أقتل الحسين وابن الزبير! قَالَ: هُوَ مَا أقول لك.

قلت: أما ابن الزبير فعاذ ببيت اللَّه، ولم يبايع، وَلَا دعا إِلَى نَفْسَهُ، وأما الحسين بن عَلِيّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، فسَارَ من مكة لَمَّا جاءته كتب كثيرةٍ من عامة الأشراف بالكوفة، فسار


١ تعوذ: احتمى والتجأ.
٢ خبر ضعيف: فيه جهالة مشايخ ابن أسماء.