للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: خَرَجَ الْحُسَيْنُ مِنَ الْمَدِينَةَ، فَمَرَّ بِابْنِ مُطِيعٍ وَهُوَ يَحْفِرُ بِئْرَهُ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي! مَتِّعْنَا بِنَفْسِكَ وَلَا تَسِرْ، فَأَبِي الْحُسَيْنِ، قَالَ: إِنَّ بِئْرِي هَذِهِ رَشْحُهَا، وَهَذَا الْيَوْمُ مَا خَرَجَ إِلَيْنَا فِي الدَّلْوِ، مَاءٌ، فَلَوْ دَعَوْتَ لَنَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، قَالَ: هَاتِ مِنْ مَائِهَا، فَأَتَى بِمَا فِي الدَّلْوِ فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ مَضْمَضَ، ثُمَّ رَدَّهُ فِي الْبِئْرِ١.

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: غَلَبَنِي الْحُسَيْنُ عَلَى الْخُرُوجِ، وَقَدْ قَلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ وَالْزَمْ بَيْتَكَ، وَلَا تَخْرُجْ عَلَى إِمَامِكَ، وَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَوْ أَنَّ حُسَيْنًا لَمْ يَخْرُجْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ.

وَقَدْ كَتَبَتْ إِلَيْهِ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تُعَظِّمُ عَلَيْهِ مَا يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ، وَتَأْمُرُهُ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ، وَتُخْبِرُهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَاقُ إِلَى مَصْرَعِهِ وَتَقُولُ: أَشْهَدُ لَحَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "يُقْتَلُ حُسَيْنٌ بِأَرْضِ بَابِلٍ"٢.

وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ كِتَابًا يُحَذِّرُهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَيُنَاشِدُهُ اللَّهَ أَنْ يَشْخَصَ إِلَيْهِمْ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحُسَيْنُ: إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا، وَرَأَيْتُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَنِي بِأَمْرٍ أَنَا مَاضٍ لَهُ، وَلَسْتُ بِمُخْبِرٍ أَحَدًا بِهَا حَتَّى أُلَاقِيَ عَمَلِي.

وَلَمْ يَقْبَلِ الْحُسَيْنُ غَدًا، وَصَمَّمَ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْعِرَاقِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ سَتُقْتَلُ غَدًا بَيْنَ نِسَائِكَ وَبَنَاتِكَ كَمَا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَإِنِّي لَأَخَافُ أَنْ تَكُونَ الَّذِي يُقَادُ بِهِ عُثْمَانُ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. فَقَالَ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ كَبِرْتَ، فَبَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: أقررت عَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَمَّا رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لَهُ: قَدْ أَتَى مَا أَحْبَبْتَ، هَذَا الْحُسَيْنُ يَخْرُجُ وَيَتْرُكُكَ وَالْحِجَازَ. ثُمَّ تَمَثَّلَ:

يَا لَكِ مِنْ قُنْبُرَةٍ٣ بِمَعْمَرِ ... خَلَا لَكِ الْجَوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي

وَنَقِّرِي ما شئت أن تنقري


١ خبر ضعيف: من رواية الواقدي.
٢ حديث ضعيف: وأورده ابن كثير "٣/ ١٦٣" في البداية.
٣ القنبرة: هو جنس من الطيور من فصيلة القبريات، ورتبة الجواثم المخروطية المناقير سمر في أعلاها، ضاربة إلى بياض في أسفلها، وفي صدرها بقعة سوداء. المعجم الوجيز "ص/ ٤٨٦".