للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمر، هلم نبايعك، ثم اخرج معي إلى الشَّامِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وُجُوهُ أَهْلِ الشَّامِ وَفُرْسَانُهُمْ، فَوَاللَّهِ لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ اثْنَانِ، وَأَخَذَ الْحُصَيْنُ يُكَلِّمُهُ سِرًّا، وَابْنُ الزُّبَيْرِ يَجْهَرُ جَهْرًا، وَيَقُولُ: أَفْعَلُ، فَقَالَ الْحُصَيْنُ: كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ لَكَ رَأْيًا، أَلَا أَرَانِي أُكَلِّمُكَ سِرًّا وَتُكَلِّمُنِي جَهْرًا، وَأَدْعُوكَ إِلَى الْخِلَافَةِ وَتَعِدُنِي الْقَتْلَ! ثُمَّ قَامَ وَسَارَ بِجَيْشِهِ، وَنَدِمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَأَرْسَلَ وَرَاءَهُ يَقُولُ: لَسْتُ أَسِيرُ إِلَى الشَّامِ، إِنِّي أَكْرَهُ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ، وَلَكِنْ بَايِعُوا لِي الشَّامَ، فَإِنِّي عَادِلٌ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ سَارَ الْحُصَيْنِ، وَقَلَّ عَلَيْهِمُ الْعَلْفُ، وَاجْتَرَأَ عَلَى جَيْشِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ، وَجَعَلُوا يَتَخَطَّفُونَهُمْ وَذُلُّوا، وَسَارَ مَعَهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ١.

وَقَالَ غَيْرُهُ: سَارَ مُسْرِفُ بْنُ عُقْبَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا صَدَرَ عَنِ الْأَبْوَاءِ هَلَكَ، وَأَمَّرَ عَلَى جَيْشِهِ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ الْكِنْدِيَّ، فَقَالَ: قَدْ دَعَوْتُكَ، وَمَا أَدْرِي أَسْتَخْلِفُكَ عَلَى الْجَيْشِ، أَوْ أُقَدِّمُكَ فَأَضْرِبُ عُنُقَكَ، قَالَ: أصلحك اللَّهُ، سَهْمُكَ، فَارْمِ بِهِ حَيْثُ شِئْتَ، قَالَ: إِنَّكَ أَعْرَابِيٌّ جِلْفٌ جَافٌّ، وَإِنَّ قُرَيْشًا لَمْ يُمَكِّنْهُمْ رَجُلٌ قَطُّ مِنْ أُذُنِهِ إِلَّا غَلَبُوهُ عَلَى رَأْيِهِ، فَسِرْ بِهَذَا الْجَيْشِ، فَإِذَا لَقِيتَ الْقَوْمَ فَاحْذَرْ أَنْ تُمَكِّنَهُمْ مِنْ أُذُنَيْكَ، لَا يَكُونُ إِلَّا الْوِقَافُ ثُمَّ الثِّقَافُ ثُمَّ الانصراف٢.

وفاة يزيد بن معاوية:

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: جَاءَ نَعْيُ يَزِيدَ لَيْلًا، وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ يَرُدُّونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، قال ابن عون: فقمت فِي مَشْرَبةٍ لَنَا فِي دَارِ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَصِحْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا أَهْلَ الشَّامِ، يَا أَهْلَ النِّفَاقِ وَالشُّؤْمِ، قَدْ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَاتَ يَزِيدُ، فَصَاحُوا وَسَبُّوا وَانْكَسَرُوا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا جَاءَ شَابٌّ فَاسْتَأْمَنَ، فَأَمَّنَّاهُ، فَجَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ، وَأَشْيَاخٌ جُلُوسٌ فِي الْحِجْرِ، وَالْمِسْوَرُ يَمُوتُ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ الشَّابُّ: إِنَّكُمْ مَعْشَرُ قُرَيْشٍ، إِنَّمَا هَذَا الْأَمْرُ أَمْرُكُمْ، وَالسُّلْطَانُ لَكُمْ، وَإِنَّمَا خَرَجْنَا فِي طَاعَةِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، وَقَدْ هَلَكَ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَأْذَنُوا لَنَا فَنَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَنَنْصَرِفُ إِلَى بِلَادِنَا، حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى رَجُلٍ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَا، وَلَا كَرَامَةَ، فَقَالَ ابْنُ صَفْوَانَ: لِمَ! بَلَى نَفْعَلُ ذَلِكَ، فَدَخَلَا على المسور


١ خبر ضعيف: فيه انقطاع. وانظر: تاريخ الطبري "٥/ ٥٠٢، ٥٠٣".
٢ تاريخ خليفة "٢٥٤"، "٢٥٥".