للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَخَنْدَقُوا عَلَى هَرَاةَ، فَاقْتَتَلُوا نَحْوَ سَنَةٍ، وَشَرَعَ ابْنُ خَازِمٍ يَلِينُ لَهُمْ، فَقَالُوا: لَا، إِلَّا أَنْ تُخْرِجَ مُضَرَ مِنْ خُرَاسَانَ، وَإِمَّا أَنْ يَنْزِلُوا عَنْ كُلِّ سِلَاحٍ وَمَالٍ، فَقَالَ ابْنُ خَازِمٍ، وَجَدْتُ إِخْوَانَنَا قَطْعًا لِلرَّحِمِ، قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ رَبِيعَةَ لَمْ تَزَلْ غَضَابًا عَلَى رَبِّهَا مُذْ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مُضَرَ١.

ثُمَّ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْسٍ بَعْدَ الْحِصَارِ الطَّوِيلِ وَقْعَةٌ هَائِلَةٌ، أَثْخَنَ٢ فِيهَا أَوْسٌ بِالْجَرَّاحَاتِ، وَقُتِلَتْ رَبِيعَةُ قَتْلًا ذَرِيعًا، وَهَرَبَ أَوْسٌ إِلَى سِجِسْتَانَ فَمَاتَ بِهَا، وَقُتِلَ مِنْ جُنْدِهِ يَوْمَئِذٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، وَاسْتَخْلَفَ ابْنُ خَازِمٍ وَلَدَهُ عَلَى هَرَاةَ، وَرَجَعَ إِلَى مَرْوَ.

وَفِيهَا: سَارَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدِ الثَّقَفِيِّ فِي رَمَضَانَ مِنْ مَكَّةَ، وَمَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَمِيرًا مِنْ قِبَلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى خَرَاجِ الْكُوفَةِ، فَقَدِمَ المختار والكوفة وَالشِّيعَةُ، قَدِ اجْتَمَعَتْ عَلَى سُلَيْمَان بْنِ صُرَدَ، فَلَيْسَ يَعْدِلُونَ بِهِ، فَجَعَلَ الْمُخْتَارُ يَدْعُوهُمْ إِلَى نَفْسِهِ، وَإِلَى الطَّلَبِ بِدَمِ الْحُسَيْنِ، فَتَقُولُ الشِّيعَةُ: هَذَا سُلَيْمَانُ شَيْخُنَا، فَأَخَذَ يَقُولُ لَهْمُ: إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ قِبَلِ الْمَهْدِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، فَصَارَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الشِّيعَةِ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى الْكُوفَةُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ مِنْ قِبَلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَنَبَّهُوهُ عَلَى أَمْرِ الشِّيعَةِ، وَأَنَّ نِيَّتَهُمْ أَنْ يَتُوبُوا، فَخَطَبَ الماس، وَسَبَّ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ وَلْيَخْرُجُوا ظَاهِرِينَ إِلَى قَاتِلِ الْحُسَيْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَقَدْ أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ، وَأَنَا لَهُمْ عَلَى قِتَالِهِ ظَهِيرٌ، فَقِتَالُهُ أَوْلَى بِكُمْ، فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، فَنَقَمَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَعَابَهَا، فَقَامَ إِلَيْهِ الْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ فَسَبَّهُ، وَشَرَعُوا يَتَجَهَّزُونَ لِلْخُرُوجِ إِلَى مُلْتَقَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ.

وَقَدْ كَانَ سُلَيْمَان بْنُ صُرَدَ الْخُزَاعِيُّ، وَالْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ الْفَزَارِيُّ -وَهُمَا مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ وَمِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ- خَرَجَا فِي رَبِيعِ الْآخَرَ يَطْلُبُونَ بِدَمِ الْحُسَيْنِ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَنَادَوْا: يَا لِثَارَاتِ الْحُسَيْنِ، وَتَعَبَّدُوا بِذَلِكَ، وَلَكِنْ ثَبَّطَ جَمَاعَةٌ وَقَالُوا: إِنَّ سُلَيْمَانَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا، إِنَّمَا يُلْقِي بِالنَّاسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَلَا خِبْرَةَ لَهُ بِالْحَرْبِ، وَقَامَ سُلَيْمَانُ فِي أَصْحَابِهِ، فَحَضَّ عَلَى الْجِهَادِ وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا فَلَا يَصَحَبْنَا، وَمَنْ أَرَادَ وَجْهَ اللَّهِ وَالثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ فَذَلِكَ، وَقَامَ صَخْرُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْمُزَنِيُّ فقال: آتاك الله


١ مضر: من أشهر قبائل العرب، ومنها النبي -صلى الله عليه وسلم.
٢ أثخن: بالغ في الأمر، وأثخن في العدوة بالغ في قتاله.