للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَخَّرْتَهُ إِلَى الْيَوْمِ، قَالَ: وكَانَ رَكِبَهُ وَسَخٌ شَدِيدٌ، فَغُسِلَ وَخَرَجَ عَوَّادًا نَضَّارًا، فَجِيءَ بِهِ وقد غشي، فأمر لهم بِاثْنَى عَشَرَ أَلْفًا، ثُمَّ دَعَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ أَمْرٌ إِلَّا وَهُوَ كَائِنٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ التَّابُوتُ، وَإِنَّ فِينَا مِثْلَ التَّابُوتِ، اكْشِفُوا عَنْهُ، فَكَشَفُوا الْأَثْوَابَ، وَقَامَتِ السَّبَائِيَّةُ١ فَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ، فَقَامَ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ يُنْكِرُ، فَضُرِبَ.

فَلَمَّا قُتِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، وَخَبَرَهُ الْمَقْتَلَة الْآتِيَةَ، ازْدَادَ أَصْحَابُهُ بِهِ فِتْنَةً، وَتَغَالُوا فِيهِ حَتَّى تَعَاطُوا الْكُفْرَ، فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ، وَنَدِمْتُ عَلَى مَا صَنَعْتُ، فَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَغُيِّبَ، قَالَ مَعْبَدٌ: فَلَمْ أَرَهُ بَعْدُ٢.

قَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ جَرِيرٍ: وَوَجَّهَ الْمُخْتَارُ فِي ذِي الْحِجَّةِ ابْنَ الْأَشْتَرِ لِقِتَالِ ابْنِ زِيَادٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ فراغ الْمُخْتَارِ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ السَّبِيعِ وَأَهْلِ الْكُنَاسَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَأَبْغَضُوهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَأَوْصَى ابْنَ الْأَشْتَرِ وَقَالَ: هَذَا الْكُرْسِيُّ لَكُمْ آيَةٌ، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَغْلٍ أَشْهَبَ، وَجَعَلُوا يَدْعُونَ حَوْلَهُ ويَضَجُّونَ، وَيَسْتَنْصِرُونَ بِهِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا اصْطَلَمَ٣ أَهْلُ الشَّامِ ازْدَادَ شِيعَةُ الْمُخْتَارِ بِالْكُرْسِيِّ فِتْنَةً، فَلَمَّا رَآهُمْ كَذَلِكَ إبراهيم بن الأشتر تألم وقال: الله لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، سُنَّةُ بني إسرائيل إذ عَكَفُوا عَلَى العِجْلِ.

وَكَانَ الْمُخْتَارِ يَرْبِطُ أَصْحَابَهُ بِالْمُحَالِ وَالْكَذِبِ، وَيَتَأَلَّفُهُمْ بِمَا أَمْكَنَ، وَيَتَأَلَّفُ الشِّيعَةُ بِقَتْلِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ.

وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي مَعَ الْمُخْتَارِ مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ لَنَا: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ شُرْطَةَ اللَّهِ قَدْ حَسُوهُمْ بِالسُّيُوفِ بِنَصِيبِينَ أَوْ بِقُرْبِ نَصِيبِينَ، فَدَخَلْنَا الْمَدَائِنَ، فوالله إنه ليخطبنا إذ جَاءَتْهُ الْبُشْرَى بِالنَّصْرِ، فَقَالَ: أَلَمْ أُبَشِّرْكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: بَلَى وَاللَّهِ.

قَالَ: يَقُولُ لِي رَجُلٌ هَمْدَانِيٌّ مِنَ الْفُرْسَانِ: أَتُؤْمِنُ الْآنَ يَا شَعْبِيُّ؟ قُلْتُ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِأَنَّ الْمُخْتَارَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ، أَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُمُ انْهَزَمُوا، قُلْتُ: إِنَّمَا زَعَمَ أَنَّهُمْ هُزِمُوا بِنَصِيبِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِالْخَازَرِ مِنَ الْمَوْصِلِ، فَقَالَ لِي: وَاللَّهِ لَا تُؤْمِنُ حتى ترى


١ السبائية: أتباع عبد الله بن سبأ، اليهودي الذي أظهر الإسلام، ليطعن فيه، ويوقع بين أهله.
٢ تاريخ الطبري "٦/ ٨٣".
٣ اصطلم: انهزم، أو رجعوا منهزمين.