للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَعْلَمْتَنِي، فَإِنَّ الْآجَالَ غَادِيَةٌ وَرَائِحَةٌ، وَلا آمَنُ أَنْ تَخْتَرِمَنِي الْمَنِيَّةُ وَلَمْ أُجَاهِدِ الظَّالِمِينَ، فَيَا لَهُ غَبْنًا، وَيَا لَهُ فَضْلا مَتْرُوكًا، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِمَّنْ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ اللَّهَ وَرِضْوَانَهُ.

فرد عليه الجواب يحضه عَلَى الْمَجِيءِ، فَجَمَعَ شَبِيبٌ قَوْمَهُ، مِنْهُمْ أَخُوهُ مُصَادٌ، وَالْمُحَلَّلُ بْنُ وَائِلٍ الْيَشْكِرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ حَجَرٍ الْمُحَلِّمِيُّ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَامِرٍ الذُّهْلِيُّ، وَقَدِمَ عَلَى صَالِحٍ وَهُوَ بِدَارًا، فَتَصَمَّدُوا مِائَةً وَعشْرَةَ أَنْفُسٍ.

ثُمَّ وَثَبُوا عَلَى خَيْلٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ فَأَخَذُوهَا، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ وَأَخَافُوا الْمُسْلِمِينَ.

وَفِيهَا: غَزَا حَسَّانُ بْنُ النُّعْمَانِ الْغَسَّانِيُّ إِفْرِيقِيَّةَ وَقَتَلَ الْكَاهِنَةَ.

وَلَمَّا خَرَجَ صَالِحُ بْنُ مُسَرِّحٍ بِالْجِزِيرَةِ نُدِبَ لِحَرْبِهِ عَدِيُّ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ الْكِنْدِيُّ، فَقَاتَلَهُمْ، فَهَزَمَ عَدِيًّا، فَنُدِبَ لِقِتَالِهِ خَالِدُ بْنُ جَزْءٍ السُّلَمِيُّ، وَالْحَارِثُ الْعَامِرِيُّ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، وَانْحَازَ صَالِحٌ إِلَى الْعِرَاقِ، فَوَجَّهَ الْحَجَّاجُ إلى لِحَرْبِهِ عَسْكَرًا، فَاقْتَتَلُوا، ثُمَّ مَاتَ صَالِحُ بْنُ مُسَرِّحٍ مُثْخَنًا بِالْجِرَاحِ فِي جُمَادِي الآخِرَةِ، وَعَهِدَ إلى شبيب بن يزيد، فاقتفى شَبِيبٌ هُوَ وَسَوْرَةُ بْنُ الْحُرِّ، فَانْهَزَمَ سَوْرَةُ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ.

ثُمَّ سَارَ شَبِيبٌ فَلَقِيَ سَعِيدَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ، فَاقْتَتَلُوا، ثُمَّ انْصَرَفَ شَبِيبٌ فَهَجَمَ عَلَى الْكُوفَةِ، وَقَتَلَ بِهَا أَبَا سُلَيْمٍ مَوْلَى عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالِدَ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَقَتَلَ بِهَا عَدِيَّ بْنَ عَمْرٍو، وَأَزْهَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيَّ، ثُمَّ خَرَجَ عَنِ الْكُوفَةِ فَوَجَّهَ الْحَجَّاجُ لِحَرْبِهِ زَائِدَةَ بْنَ قُدَامَةَ الثَّقَفِيَّ ابْنَ عَمِّ الْمُخْتَارِ، فِي جَيْشٍ كَبِيرٍ، فَالْتَقَوْا بِأَسْفَلِ الْفُرَاتِ، فَهَزَمَهُمْ وَقَتَلَ زَائِدَةَ، فَوَجَّهَ الْحَجَّاجُ لِحَرْبِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ، فَلَمْ يُقَاتِلْهُ.

وَكَانَ مَعَ شَبِيبِ امْرَأَتُهُ غَزَالَةُ، وَكَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالشَّجَاعَةِ، فَدَخَلَتْ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ تِلْكَ الليلة وَقَرَأَتْ وِرْدَهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَصْعَدَ الْمِنْبَرَ فَصَعِدَتْ.

ثُمَّ حَارَ الْحَجَّاجُ فِي أَمْرِهِ مَعَ شَبِيبٍ، فَوَجَّهَ لِقِتَالِهِ عُثْمَانَ بْنَ قَطَنٍ الْحَارِثِيَّ، فَالْتَقَوْا فِي آخِرِ الْعَامِ، فَقُتِلَ عُثْمَانُ وَانْهَزَمَ جَمْعُهُ بَعْدَ أَنْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ مَعَهُ سِتُّمِائَةِ نَفْسٍ، مِنْهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ كِنْدَةَ، وَقُتِلَ مِنَ الأَعْيَانِ: عَقِيلُ بْنُ شَدَّادٍ السَّلُولِيُّ، وَخَالِدُ بْنُ نَهِيكٍ الْكِنْدِيُّ، وَالأَبْرَدُ بْنُ رَبِيعَةَ الكندي.

واستفحل أمر شبيب، وَتَزَلْزَلَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَوَقَعَ الرُّعْبُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ شَبِيبٍ، وَحَارَ الْحَجَّاجُ، فكان يقول: أعياني شبيب١.


١ انظر: تاريخ خليفة "ص/ ١٧١، ١٧٢"، تاريخ الطبري "٦/ ٢١٨- ٢٢٣"، الكامل "٤/ ٣٩٣"، صحيح التوثيق "٥/ ١٤٥-١٤٧".