فَأَوْثَقَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ يَدًا عِنْدَ الْحَجَّاجِ.
وَقَدْ كَانَ رُتْبِيلُ سَمِعَ بِمَقْدِمِ ابْنِ الأَشْعَثِ، فَسَارَ فِي جُيُوشِهِ حَتَّى أَحَاطَ بِبُسْتَ، فَرَاسَلَ عَامِلَهَا يَقُولُ لَهُ: وَاللَّهِ لَئِنْ آذَيْتَ ابْنَ الأَشْعَثِ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْتَنْزِلَكَ، وَأَقْتُلَ جَمِيعَ مَنْ مَعَكَ، فَخَافَهُ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ ابن الأشعث، فأكرمه رتبيل، قال ابْنُ الأَشْعَثُ: إِنَّ هَذَا كَانَ عَامِلِي فَغَدَرَ بِي وَفَعَلَ مَا رَأَيْتَ، فَأْذَنْ لِي فِي قَتْلِهِ، قَالَ: قَدْ أَمَّنْتُهُ، ثُمَّ مَضَى ابْنُ الأَشْعَثِ مَعَ رُتْبِيلَ إِلَى بِلادِهِ، فَأَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ.
وَكَانَ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنَ الأَشْرَافِ وَالْكِبَارِ، مِمَّنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانِ الْحَجَّاجِ، ثُمَّ تَبِعَ أَثَرَ ابْنِ الأَشْعَثِ خَلْقٌ مِنْ هَذِهِ الْبَابَةِ حَتَّى قَدِمُوا سِجِسْتَانَ، وَنَزَلُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْبَعَّارِ، فَحَصَرُوهُ، وَكَتَبُوا إِلَى ابْنِ الأَشْعَثِ بِعَدَدِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَبَّاسِ الْهَاشِمِيُّ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمُ ابْنُ الأَشْعَثِ بِمَنْ مَعَهُ، ثُمَّ غَلَبُوا عَلَى مَدِينَةِ سِجِسْتَانَ، وَعَذَّبُوا ابْنَ عَامِرٍ. وَحَبَسُوهُ، ثُمَّ لَمْ يَشْعُرِ ابْنُ الأَشْعَثِ إِلا وَقَدْ فَارَقَهُ عبيد الله ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، وَسَارَ فِي أَلْفَيْنِ، فَغَضِبَ ابْنُ الأَشْعَثِ وَرَجَعَ إِلَى رُتْبِيلَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: سَارُوا مَعَ الْهَاشِمِيِّ فَقَاتَلَهُمْ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، فَأَسَرَ مِنْهُمْ وَهَزَمَهُمْ، وَفِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ اخْتِلافٌ وَمِنْ بَقِيَّةِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ: قَالَ عَوَانَةُ بْنُ الْحَكَمِ: كَانَ بَيْنَهُمْ إِحْدَى وَثَمَانُونَ وَقْعَةً، كُلُّهَا عَلَى الْحَجَّاجِ، إِلا آخِرَ وَقْعَةٍ كَانَتْ عَلَى ابْنِ الأَشْعَثِ، وَقُتِلَ مِنَ الْقُرَّاءِ بِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ خَلْقٌ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: أَتَى الْقُرَّاءُ يَوْمَ دَيْرِ الْجَمَاجِمِ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيَّ يُؤَمِّرُونَهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي، فَأَمِّرُوا رَجُلا مِنَ الْعَرَبِ، فَأَمَّرُوا جَهْمَ بْنَ زَحْرٍ الخثعي عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: رَأَيْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ، وَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالرُّمْحِ فطعنه، وانكشف ابن الأشعث فأتى لبصرة، وَتَبِعَهُ الْحَجَّاجُ، فَخَرَجَ مِنْهَا إِلَى أَرْضِ دُجَيْلَ الأهواز، واتبعه الحجاج، فالتقوا بمسكين، فَانْهَزَمَ ابْنُ الأَشْعَثِ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ ناسٌ كَثِيرٌ، وَغَرِقَ مِنْهُمْ نَاسٌ كَثِيرٌ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: افْتُقِدَ بِمَسْكِنَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute