الْكُوفَةِ وَتَمَّتْ لَهُمْ وَقْعَةٌ انْهَزَمَ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ الْقَصْرَ وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنْ شِيعَتِهِ, ثُمَّ إِنَّهُ أُخْرِجَ مِنَ الْقَصْرِ وَأَمَّنُوهُ وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْكُوفَةِ, فَتَلاحَقَ بِهِ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى قَصْرِ الإِمَارَةِ.
وَفِي هَذِهِ الْمُدَّةِ كَانَ ظُهُورُ سَعِيدِ بْنِ بَحْدَلٍ الْخَارِجِيِّ بِنَوَاحِي الْمَوْصِلِ وَتَبِعَهُ خَلْقٌ فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ وَاسْتُخْلِفَ عَلَى أَصْحَابِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ الْمَحْكَمِيُّ فَغَلَبَ عَلَى تِكْرِيتَ, ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى الْكُوفَةِ فَعَسْكَرَ بِدِيرِ الثَّعَالِبِ فِي نَحْوٍ مِنْ ثَلاثَةِ آلافٍ فَالْتَقَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَكَانَ بَيْنَهُمَا وَقْعَةٌ هَائِلَةٌ ثُمَّ انْكَسَرَ عَبْدُ اللَّهِ، وَتَحَيَّزَ إِلَى وَاسِطَ، وَمَلَكَ الضَّحَّاكُ الْكُوفَةَ وَقَوِيَ أَمْرُهُ ثُمَّ عَبَّأَ جُيُوشَهُ فِي رَمَضَانَ، وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى وَاسِطَ فَحَارَبَهُ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ أَحَدَ الأَبْطَالِ الْمَذْكُورِينَ وَالشُّجْعَانِ الْمَعْدُودِينَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَدَامَ الْقِتَالُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ شَهْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقُتِلَ خَلْقٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ الضَّحَّاكُ الْمَحْكَمِيُّ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلاطَفَهُ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي طَاعَتِهِ وَيُقِرَّهُ عَلَى عَمَلِهِ، فَأَعْطَاهُ عَبْدُ اللَّهِ ذلك ولابنه، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ شُبَيْلُ بْنُ عَزْرَةَ الضُّبَعِيِّ وَكَانَ مِنَ الْخَوَارِجِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَظْهَرَ دِينَهُ ... وَصَلَّتْ قُرَيْشٌ خَلْفَ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ
ثُمَّ سَارَ الضَّحَّاكُ إِلَى الْمَوْصِلِ فَخَرَجَ لِحَرْبِهِ مُتَوَلِّيهَا فَقُتِلَ، ثُمَّ اسْتَوْلَى الضَّحَّاكُ عَلَى الْمَوْصِلِ وَاتَّسَعَ سُلْطَانُهُ وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُ الْخَوَارِجِ، فَكَتَبَ مروان ابن مُحَمَّدٍ الْخَلِيفَةُ - إِلَى وَلَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ وَالِي الْجَزِيرَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَسْكِرَ بِنَصِيبِينَ فَسَارَ إِلَيْهِ الضحاك فحصره نَحْوًا مِنْ شَهْرَيْنِ وَبَثَّ خَيْلَهُ يُغِيرُونَ عَلَى بِلادِ الْجِزِيرَةِ وَكَثُرَتْ جُمُوعُ الضَّحَّاكِ وَانْضَافَ إِلَيْهِ مَنْ هَرِبَ مِنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَظُمَ الْخَطْبُ فَسَارَ مَرْوَانُ بِنَفْسِهِ لِيَكْشِفَ عَنِ ابْنِهِ، فَالْتَقَاهُ الضَّحَّاكُ فَأَشَارَ عَلَى الضَّحَّاكِ أُمَرَاؤُهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ فُرْسَانَهُ فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَالِي فِي دُنْيَاكُمْ هَذِهِ مِنْ حَاجَةٍ وَإِنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا الطَّاغِيَةَ وَقَدْ جَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَعَلَيَّ دَيْنٌ سَبْعَةُ دَرَاهِمَ فِي كُمِّي مِنْهَا ثَلاثَةٌ؛ وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ إِلَى الْمَسَاءِ فَقُتِلَ الضَّحَّاكُ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَمْ يَدْرِ بِهِ أَحَدٌ وَدَخَلَ اللَّيْلُ وَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ آلافٍ ثُمَّ أَصْبَحُوا عَلَى الْقِتَالِ، وَرَكَبَ النَّاس يَوْمَئِذٍ ضَبَابٌ بِحَيْثُ أَنَّ الْفَارِسَ لا يَرَى عَرْفَ فَرَسِهِ، وَمَضَى مَرْوَانُ فِي كُلِّ وَجْهٍ وَثَبَتَ جُنْدُهُ وَجَاءَ الْخَيْبَرِيُّ أَحَدُ رؤوس الْخَوَارِجِ فَدَخَلَ فِي مُعَسْكَرِ مَرْوَانَ وَقَطَعَ أَطْنَابَ خِيَامِهِ وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ فَكَرَّ نَحْوٌ مِنْ ثَلاثَةِ آلافٍ عَلَى الْخَيْبَرِيِّ فَقَتَلُوهُ، فَقَامَ بِأَمْرِ الخوارج
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute