قَالَ حَفْصُ بْنُ شَبِيبٍ: فَحَدَّثَنِي مَنْ كَانَ مَعَ قُحْطُبَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ عَسْكَرًا قَطُّ جَمَعَ مَا جَمَعَ أَهْلُ الشَّامِ بِأَصْبَهَانَ مِنَ الْخَيْلِ وَالسِّلاحِ وَالرَّقِيقِ، وَأَصَبْنَا مَعَهُمْ مَا لا يُحْصَى مِنَ الْبَرَابِطِ وَالطَّنَابِيرِ وَالْمَزَامِيرِ فَقَلَّ خِبَاءٌ أَوْ بَيْتٌ نَدْخُلُهُ إِلا وَجَدْنَا فِيهِ زُكْرَةً أَوْ زِقًّا مِنْ خَمْرٍ.
وَوَقَعَ الْحِصَارُ عَلَى نَهَاوَنْدَ وَتَقَهْقَرَ الأَمِيرُ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى الرَّيِّ فَأَدْرَكَهُ الأَجَلُ بِهَا، وَقِيلَ: مَاتَ نِسَاؤُهُ وَأَوْصَى بَنِيهِ أَنْ يَلْحَقُوا بِالشَّامِ. وَقَدْ كَانَ أَنْشَدَ لَمَّا أَبْطَأ عَنْهُ الْمَدَدُ:
أَرَى خَلَلَ الرَّمَادِ وَمِيضَ نَارٍ ... وَيُوشِكُ أن يكون له ضرام
فإن النار بالزنادين تُورِي ... وَإِنَّ الْفِعْلَ يَقْدُمُهُ الْكَلامُ
وَإِنْ لَمْ يَطُفْهَا عُقَلاءُ قَوْمٍ ... يَكُونُ وَقُودُهَا جُثَثٌ وَهَامُ
أَقُولُ مِنَ التَّعَجُّبِ: لَيْتَ شِعْرِي ... أَأَيْقَاظٌ أُمَيَّةُ أَمْ نِيَامُ
ثُمَّ إِنَّ ابْنَ هُبَيْرَةَ كَتَبَ إِلَى مَرْوَانَ الْحِمَارِ يُخْبِرُهُ بِمَقْتَلِ ابْنِ ضُبَارَةَ فَوَجَّهَ إِلَى نَجْدَتِهِ حَوْثَرَةُ بْنُ سُهَيْلٍ الْبَاهِلِيُّ فِي عَشَرَةِ آلافٍ مِنْ قَيْسٍ، ثُمَّ تَجَمَّعَتْ حيوش مَرْوَانَ بِنَهَاوَنْدَ، عَلَيْهِمْ مَالِكُ بْنُ أَدْهَمَ، فَضَايَقَهُمْ - كَمَا ذَكَرْنَا - قُحْطُبَةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ حَتّى أَكَلُوا خَيْلَهُمْ، ثُمَّ خَرَجُوا بِالأَمَانِ فِي شَوَّالٍ، ثُمَّ قَتَلَ قُحْطُبَةُ وُجُوهًا مِنْ عَسْكَرِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ وَقَتَلَ أَوْلادَهُ وَقَتَلَ سَعِيدَ بْنُ الْحُرِّ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْجَزَرِيَّ وَحَاتِمَ بْنَ الحارث التميمي وعاصم بن عمرو السمر قندي وَعُمَارَةَ بْنَ سُلَيْمٍ. ثُمَّ أَقْبَلَ قُحْطُبَةُ فِي جُيُوشِهِ يُرِيدُ الْعِرَاقَ فَنَهَضَ مُتَوَلِّيهَا ابْنُ هُبَيْرَةَ حَتَّى نَزَلَ بَيْنَ حُلْوَانَ وَالْمَدَائِنِ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ اللَّيْثِيُّ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ الْمُنْهَزِمُونَ حَتَّى صَارَ فِي ثَلاثَةٍ وَخَمْسِينَ أَلْفًا. ثُمَّ تَوَجَّهَ فَنَزَلَ جَلُولاءَ، وَنَزَلَ قُحْطُبَةُ فِي آخِرِ الْعَامِ بِخَانِقِينَ، فَكَانَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ بَرِيدٌ فَبَقُوا أَيَّامًا كَذَلِكَ.
وَفِيهَا، فِي شَعْبَانَ وَبَعْدَهُ كَانَ الطَّاعُونُ بِالْبَصْرَةِ فَهَلَكَ خَلْقٌ حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ هَلَكَ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ سَبْعُونَ أَلْفًا. نقله صاحب لمنتظم.
وَفِيهَا: تَحَوَّلَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ مِنْ مَرْوَ فنزل نيسابور واستولى على عامة خراسان.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute