للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنْ رِشْدِينَ بْنِ كُرَيْبٍ أَنَّ أَبَا هَاشِمٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَلَقِيَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا بْنَ عَمِّ إِنَّ عِنْدِي عِلْمًا أُرِيدُ أَنْ أَنْبُذَهُ إِلَيْكَ فَلا تُطْلِعَنَّ عَلَيْهِ أَحَدًا: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ الَّذِي يَرْتَجِيهِ النَّاسُ فِيكُمْ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُهُ فَلا يَسْمَعَنَّهُ مِنْكَ أَحَدٌ.

وَرَوَى الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّ الإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَنَا ثَلاثَةُ أَوْقَاتٍ: مَوْتُ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوُيَةَ، وَرَأْسُ الْمِائَةِ، وَفَتْقٌ بِأَفْرِيقِيَّةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَدْعُو لَنَا دُعَاةٌ ثُمَّ يُقْبِلُ أَنْصَارُنَا مِنَ الْمَشْرِقِ حَتَّى تَرِدَ خُيُولُهُمُ الْمَغْرِبَ. فَلَمَّا قُتِلَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ بِأَفْرِيقِيَّةَ وَنَقَضَتِ الْبَرْبَرُ بَعَثَ مُحَمَّدٌ الإِمَامُ رَجُلا إِلَى خُرَاسَانَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلا يُسَمِّي أَحَدًا، ثُمَّ وَجَّهَ أَبَا مُسْلِمٍ وَغَيْرَهُ، وَكَتَبَ إِلَى النُّقَبَاءِ١ فَقَبِلُوا كُتُبَهُ, ثُمَّ وَقَعَ فِي يد مروان الحمار كتاب من إبراهيم من مُحَمَّدٍ الإِمَامِ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ جَوَابُ كِتَابٍ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ بِخُرَاسَانَ، فَقَبَضَ مَرْوَانُ عَلى إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ كَانَ مَرْوَانُ وُصِفَ لَهُ صِفَةُ السَّفَّاحِ الَّتِي كَانَ يَجِدَهَا فِي الْكُتُبِ فَلَمَّا جِيءَ بِإِبْرَاهِيمَ قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي وَجَدْتَ ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي طَلَبِ الْمَوْصُوفِ لَهُ فَإِذَا بِالسَّفَّاحِ وَاخْوَتِهِ وَعُمُومَتِهِ قَدْ هَرَبُوا إِلَى الْعِرَاقِ وَأَخْفَتْهُمْ شِيعَتُهُمْ، فَيُقَالُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ قَدْ نَعَى إِلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَأَمَرَهُمْ بالهرب وكانوا بالحمية مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْكُوفَةِ أَنْزَلَهُمْ أَبُو سَلَمَةَ الْخَلالُ دَارَ الْوَلِيدِ بْنِ سَعْدٍ فَبَلَغَ الْخَبَرُ أَبَا الْجَهْمِ فَاجْتَمَعَ بِمُوسَى بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ رِبْعِيٍّ وَسَلَمَةَ بْنِ محمد وإبراهيم بن سلمة وعبد الطَّائِيِّ وَإِسْحَاقَ بْن إِبْرَاهِيمَ وَشَرَاحِيلَ وَابْنَ بَسَّامٍ وجماهة مِنْ كِبَارِ شِيعَتِهِمْ فَدَخَلُوا عَلَى آلِ الْعَبَّاسِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِيَّةِ؟ فَأَشَارُوا إِلَى السَّفَّاحِ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالْخِلافَةِ، ثم خرج السفاح يوم الجمعة عَلَى بِرْذَوْنٍ أَبْلَقَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ بِالْكُوفَةِ فَذُكِرَ أَنَّهُ لَمَّا صَعِدَ الْمِنْبَرِ وَبُويِعَ قَامَ عَمُّهُ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ دُونَهُ.

فَقَالَ السَّفَّاحُ٢: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اصْطَفَى الإِسْلامَ لِنَفْسِهِ فَكَرَّمَهُ وَشَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ وَاخْتَارَهُ لَنَا وَأَيَّدَهُ بِنَا وَجَعَلَنَا أَهْلَهُ وَكَهْفَهُ وَحِصْنَهُ وَالْقُوَّامَ بِهِ وَالذَّابِيِّنَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ إِلَى أَنْ قال: فلما قيض اللَّهُ نَبِيَّهُ قَامَ بِالأَمْرِ أَصْحَابَهُ إِلَى أَنْ وَثَبَتْ بَنُو حَرْبٍ وَمَرْوَانُ فَجَارُوا وَاسْتَأْثَرُوا فَأَمْلَى الله لهم حينًا حتى آسفوه فانتقم


١ والنقيب: رتبه من رتب الجيش، والشرطة فوق الملازم الأول ودون الرائد.
٢ وراجع خطبته في تاريخ الإمام الطبري "٧/ ٤٢٥"، وما بعدها.