للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمينة وتزعم أنك ابن سُلَيْطِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ وَمَا الَّذِي دَعَاكَ إِلَى قَتْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ مَعَ أَثَرِهِ فِي دَعْوَتِنَا وَهُوَ أَحَدُ نُقَبَائِنَا! فَقَالَ: عَصَانِي وَأَرَادَ الْخِلافَ عَلَيَّ فَقَتَلْتُهُ فَقَالَ: فَأَنْتَ تُخَالِفُ عَلَيَّ! قَتَلَنِي اللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ؛ وَضَرَبَهُ بِعَمُودٍ ثُمَّ وَثَبُوا عَلَيْهِ. وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ شَعْبَانَ.

قَالَ: وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ قَدْ قَتَلَ فِي دَوْلَتِهِ وَفِي حُرُوبِهِ سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ صَبْرًا١، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا سَبَّهُ الْمَنْصُورُ انْكَبَّ عَلَى يَدِهِ يُقَبِّلُهَا وَيَعْتَذِرُ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَهُ عُثْمَانُ فَمَا صَنَعَ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ قَطَعَ حَمَائِلَ سَيْفِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمَؤْمِنِينَ اسْتَبْقِنِي لِعَدُوِّكَ، قَالَ: إِذًا لا أَبْقَانِي اللَّهُ وَأَيُّ عَدُوٍّ أَعْدَى لِي مِنْكَ، ثُمَّ هَمَّ الْمَنْصُورُ بِقَتْلِ أَبِي إِسْحَاقَ صَاحِبِ حَرَسِ أَبِي مُسْلِمٍ وَبِقَتْلِ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ، فَكَلَّمَهُ فِيهِمَا أَبُو الْجَهْمِ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جُنْدُهُ جُنْدُكَ أَمَرْتَهُمْ بِطَاعَتِهِ فَأَطَاعُوهُ، ثُمَّ أَجَازَهُمَا وَأجَازَ جَمَاعَةً مِنْ كِبَارِ قُوَّادِهِ بِالْجَوَائِزِ السَّنِيَّةَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ. ثُمَّ كَتَبَ بِعَهْدِ خَالِدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَى خُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَهَا.

قَالَ خَلِيفَةُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنُ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: قَتَلَهُ الْمَنْصُورُ وَهُوَ فِي سُرَادِقٍ ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عِيسَى بْنِ مُوسَى فَجَاءَ فَأَعْلَمَهُ فَأَعْطَاهُ الرَّأْسَ وَالْمَالَ فَخَرَجَ بِهِ وَنَثَرَ الْمَالَ عَلَى الْخُرَاسَانِيَّةَ فَتَشَاغَلُوا بِالذَّهَبِ.

وَفِيهَا: خَرَجَ سِنْبَاذُ بِخُرَاسَانَ لِلطَّلَبِ بِثَأْرِ أَبِي مُسْلِمٍ، وَكَانَ سِنْبَاذٌ مَجُوسِيًّا تَغَلَّبَ عَلَى نَيْسَابُورَ وَالرَّيِّ وَأَخَذَ خَزَائِنَ أَبِي مُسْلِمٍ وَتَقَوَّى بِهَا، فَجَهَّزَ الْمَنْصُورُ لِحَرْبِهِ جَهْوَرَ بْنَ مَرَّارٍ الْعِجْلِيَّ فِي عَشَرَةِ آلافٍ فَكَانَتِ الْوَقْعَةُ بَيْنَ الرَّيِّ وَهَمَذَانَ, وَكَانَتْ مَلْحَمَةً مُهَوِّلَةً فَهُزِمَ سِنْبَاذٌ وقُتِلَ مِنْ جَيْشِهِ نَحْوٌ مِنْ سِتِّينَ أَلْفًا، وَكَانَ غَالِبُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجِبَالِ، وَسُبِيَتْ ذَرَارِيهِمْ، ثُمَّ قُتِلَ سِنْبَاذٌ بِقُرْبِ طَبَرِسْتَانَ.

وَفِيهَا: خَرَجَ مُلَبَّدُ بْنُ حَرْمَلَةَ الشَّيْبَانِيُّ مُحَكِّمًا بِنَاحِيَةِ الْجِزِيرَةِ، فَانْتَدَبَ لِقِتَالِهِ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ عَسْكَرِ النَّاحِيَةِ فَهَزَمَهُمْ مُلَبَّدٌ، ثُمَّ الْتَقَاهُ عَسْكَرُ الْمَوْصِلِ فَهَزَمَهُمْ. ثُمَّ سَارَ لِحَرْبِهِ يَزِيدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُهَلَّبِيُّ، فَهَزَمَهُ مُلَبَّدٌ وَاسْتَفْحَلَ شَرُّهُ. ثُمَّ جَهَّزَ الْمَنْصُورُ لِحَرْبِهِ مُهَلْهَلَ بْنَ صَفْوَانَ فِي أَلْفَيْنِ نَقَاوَةً فَهَزَمَهُمْ مُلَبَّدٌ وَاسْتَوْلَى عَلَى عَسْكَرِهِمْ. ثُمَّ وَجَّهَ إِلَيْهِ جَيْشًا آخَرَ فَهَزَمَهُمْ وَعَظُمَتْ هَيْبَتُهُ وَبَعُدَ صِيتُهُ فَسَارَ لِحَرْبِهِ جَيْشٌ لَجِبٌ وَعِدَّةُ قُوَّادٍ فَهَزَمَهُمْ، وَتَحَصَّنَ مِنْهُ حُمَيْدُ بْنُ قُحْطُبَةَ وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِيَكُفَّ عَنْهُ.

وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ، فَذَكَر أَنَّ خُرُوجَ مُلَبَّدٍ كَانَ فِي الْعَامِ الآتِي.

وَمَاتَ أَمِيرُ مَكَّةَ الْعَبَّاسُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِعبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ وَوَلِيَ بَعْدَهُ زِيَادُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيُّ، وَوَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ الأَمِيرُ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ العباسي٢.


١ راجع: تاريخ الطبري "٧/ ٤٩١"، والبداية والنهاية "١٠/ ٧٢" لابن كثير.
٢ انظر: تاريخ خليفة "ص/ ٢٧٢"، وتاريخ الطبري "٧/ ٤٧٩، ٤٩٦".