للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جربت هذا وعرفت ظاهر كلامه وباطنه فوجدته حجر الأرض، ثم قلده الأمر ونفذه إلى خراسان.

قال المأمون: أصل الملوك ثلاثة١ قاموا بنقل الدول: الإسكندر وأزدشير وأبو مُسْلِم من ولد بزرجمهر، ولد بأصبهان ونشأ بالكوفة، أوصى به أَبُوهُ إلى عيسى السراج فحمله إلى الكوفة وهو ابن سبع سنين, فقال إِبْرَاهِيم لما عزم على توجُهه إلى خراسان: غير اسمك وكان اسمه إِبْرَاهِيم بن عثمان، فقال: قد سميت نفسي أَبَا مُسْلِم عَبْد الرَّحْمَن بن مُسْلِم، ثم مضى وله ذؤابة وهو على حمار وله تسع عشرة سنة.

وعن بعضهم قال: كنت أطلب العلم فلا آتي موضعًا إلا وجدت أَبَا مُسْلِم قد سبقني إليه فألفته فدعاني إلى منزله ثم لاعبني بالشطرنج وكان يلهج بهذين البيتين:

ذروني ذورني ما قررت فإنني ... مَتَى ما أهج حربًا تضيق بكم أرضي

وأبعث فِي سود الحديد إليكم ... كتائب سودًا طالما انتظرت نهضي

قال علي بن عثام: قال إِبْرَاهِيم الصائغ: لما رَأَيْت العرب وضيعتها خفت أن لا تكون لله فيهم حاجة فلما سلط الله عليهم أَبَا مُسْلِم رجوت أن تكون لله فيهم حاجة.

وقال حسن بن رشيد: سمعت يزيد النحوي يقول: أتاني إِبْرَاهِيم الصائغ فقال: أما ترى ما يعمل هذا الطاغية إن الناس معه فِي سعة غيرنا أهل العلم قلت: لو علمت أنه يصنع بي إحدى الخصلتين لفعلت إن أمرت ونهيت يقبل منا أو يقتلنا ولكني أخاف أن يبسط علي العذاب وأنا شيخ كبير لا صبر لي على السياط٢، فقال الصائغ: لكني لا أنتهي عَنْهُ فدخل عليه فأمره ونهاه فقتله.

وقيل: كان أَبُو مُسْلِم يجتمع بإبراهيم الصائغ وهو عالم أهل مرو ويعده بإقامة الحق، فلما ظهر بسط يده يعني فِي القتل فدخل عليه فوعظه.

وقد ذكرنا جملة من أخبار أَبِي مُسْلِم فِي الحوادث وكيف قتله المنصور، وكان ذلك في سنة سبع وثلاثين بالمدائن.


١ وفي وفيات الأعيان "٣/ ١٤٧"، "أجل ملوك الأرض ... ".
٢ والسوط: ما يضرب به من جلد، سواء أكان مضفورا أم لم يكن "ج" أسواط، وسياط.