الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: ٤] .
وَقَالَ آخَرُ: أَتَيْتُ إِبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ مُصْبِحُوكَ بِمَا يَسُدُّ عَلَيْكَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ فِي السِّلاحِ وَالْكُرَاعِ، وَإِنَّمَا مَعَكَ رِجَالٌ عُرَاةٌ، فَدَعْنَا نُبَيِّتُهُمْ، فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ الْقَتْلَ. فَقُلْتُ: تُرِيدُ الْمُلْكَ وَتَكْرَهُ القتل، والتقوا بـ"باخمرا"، وَهِيَ عَلَى يَوْمَيْنِ مِنَ الْكُوفَةِ، فَاشْتَدَّ الْحَرْبُ، وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ، فَانْهَزَمَ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ، وَكَانَ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ، فَانْهَزَمَ الْجَيْشُ، فَنَاشَدَهُمْ عِيسَى بْنُ مُوسَى اللَّهَ تَعَالَى، وَمَرَّ النَّاسُ، فَثُبِتَ عِيسَى فِي مِائَةِ فَارِسٍ مِنْ خَوَاصِّهِ، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ تَنَحَّيْتَ فَقَالَ: لا أَزُولُ حَتَّى أُقْتَلَ أَوْ أَفْتَحَ، وَلا يُقَالُ انْهَزَمَ.
وَعَنْ عِيسَى قَالَ: لَمَّا رَأَى الْمَنْصُورُ تَوْجِيهِي إِلَى إِبْرَاهِيمَ قال: إن المنجمين يزعمون إنك لاقيه ثُمَّ يَفِيءُ إِلَيْكَ أَصْحَابُكَ فَكَانَ كَمَا قَالَ؛ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا مَعِي ثَلاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ, فَقَالَ غُلامِي: عَلامَ تَقْفُ؟ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا يَنْظُرُ إِلَيَّ أَهْلُ بَيْتِي مُنْهَزِمًا، ثُمَّ كَانَ أَكْثَرُ مَا عِنْدِي أَنْ أَقُولَ لِمَنْ مَرَّ بِي مِنَ الْمُنْهَزِمِينَ: أَقْرِئُوا أَهْلَ بَيْتِي السَّلامَ، وَقُولُوا: إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِدَاءً أَفْدِيكُمْ بِهِ أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَقَدْ بَذَلْتُهَا، لَكُمْ فأنا لكذلك، إِذْ عَمَدَ ابْنَا سُلَيْمَانَ لِإِبْرَاهِيمَ فَخَرَجَا مِنْ وَرَائِهِ فَنَظَرَ أَصْحَابُ إِبْرَاهِيمَ فَإِذَا الْقِتَالُ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَكَرُّوا، فَرَكِبْنَا أَعْقَابَهُمْ فَلَوْلا ابْنَا سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ لافْتَضَحْنَا، وَكَانَ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمَّا انْهَزَمُوا اعْتَرَضَ لَهُمْ نَهْرٌ دُونَ ثِنْيَتَيْنِ عَالِيَتَيْنِ، فَحَالَتَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْفُرَاتِ، وَلَمْ يَجِدُوا مَخَاضَةً، فَكَرُّوا رَاجِعِينَ بِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْهَزَمَ أَصْحَابُ إِبْرَاهِيمَ، فَثَبَتَ هُوَ فِي نَحْوٍ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ. وَقِيلَ: بَلْ ثَبَتَ فِي سَبْعِينَ رَجُلا، ثُمَّ حَمَلَ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ فِي طَائِفَةٍ مَعَهُ، وَقَاتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، حَتَّى إِنَّ الْفَرِيقَيْنِ قَتَلُوا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَجَعَلَ حُمَيْدٌ يَبْعَثُ بالرؤوس إِلَى بَيْنِ يَدَيْ عِيسَى، وَثَبَتُوا عَامَّةَ يَوْمِهِمْ يَقْتَتِلُونَ، إِلَى أَنْ جَاءَ سَهْمُ غَرْبٍ لا يُدْرَى مَنْ رَمَى بِهِ، فَوَقَعَ فِي حَلْقِ إِبْرَاهِيمَ، فَتَنَحَّى عَنْ مَوْقِفِهِ، فَأَنْزَلُوهُ، وَهُوَ يَقُولُ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: ٣٨] . أَرَدْنَا أمرًا وأراد الله غيره، فاجتمع عليه أصحاب يَحْمُونَهُ، فَأَنْكَرَ حُمَيْدٌ اجْتِمَاعَهُمْ، وَأَمَرَ فَحَمَلُوا عَلَيْهِ، فقاتلوا أشد قتلا يَكُونُ، حَتَّى انْفَرَجُوا عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فَنَزَلَ أَصْحَابُ حُمَيْدٍ، فَاحْتَزُّوا رَأْسَ إِبْرَاهِيمَ، وَأُتِيَ بِهِ عِيسَى، فَنَزَلَ وَسَجَدَ لِلَّهِ، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى الْمَنْصُورِ، وَذَلِكَ لِخَمْسِ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرُهُ ثمان وأربعون سنة١.
١ تاريخ الطبري "٧/ ٦٤٦-٦٤٧".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute