للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَسْمَعٍ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلْيَسْعَ بِالْمُفَادَاةِ فِيهِمْ مِنَ اللَّهِ سَبِيلا، وَلْيَخْرُجْ مِنْ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: ٧٥] . وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لَهُمْ يَوْمَئِذٍ فَيْءٌ مَوْقُوفٌ وَلا ذِمَّةٌ تُؤَدِّي خَرَاجًا إِلا خَاصَّةُ أَمْوَالِهِمْ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "إِنِّي لأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فِي الصَّلاةِ فَأَتَجَوَّزُ فِيهَا مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ" ١ وَكَيْفَ بِتَخْلِيَتِهِمْ فِي أَيْدِي عَدُوِّهِمْ يَمْتَهِنُونَهُمْ وَيَطَئُونَهُمْ، وَأَنْتَ رَاعٍ وَاللَّهُ فَوْقَكَ وَمُسْتَوْفٍ مِنْكَ يَوْمَ تُوضَعُ الْمَوَازِينُ الْقِسْطُ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُهُ أَمَرَ بِالْفِدَاءِ.

الْوَلِيدُ بْنُ مَزْيَدَ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: وَيْلٌ لِلْمُتَفَقِّهِينَ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ وَالْمُسْتَحِلِّينَ الْحُرُمَاتِ بِالشُّبُهَاتِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ: نَا أَبُو نَشِيطٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ نَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ بمكة فقال سفيان الثوري: يا أبا عمر حَدِّثْنَا حَدِيثَكَ مَعَ عَبْد اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: نَعَمْ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ وَقَتَلَ بَنِي أُمَيَّةَ فَجَلَسَ يَوْمًا عَلَى سَرِيرِهِ وَدَعَا أَصْحَابَهُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: مَعَهُمُ السُّيُوفُ مِسَلَّلَةً صِنْفٌ وَمَعَهُمُ الأَعْمِدَةُ صِنْفٌ، وَمَعَهُمُ الْكَافِرُ كُوبُ صِنْفٍ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ فَلَمَّا صِرْتُ بِالْبَابِ أَنْزَلُونِي عَنْ دَابَّتِي، وَأَخَذَ اثْنَانِ بِعَضُدِي، ثُمَّ أَدْخَلُونِي بَيْنَ الصُّفُوفِ حَتَّى أَقَامُونِي مُقَامًا يُسْمِعُ كَلامِي، فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ لِي: أَنْتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: مَا تَقُولُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟ فَسَأَلَنِي مَسْأَلَةَ رَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلا، فَقُلْتُ: قَدْ كَانَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ عُهُودٌ، فَقَالَ: وَيْحَكَ اجْعَلْنِي وَإِيَّاهُمْ لا عَهْدَ بَيْنَنَا، مَا تَقُولُ فِي دِمَائِهِمْ؟ فَأَجْهَشَتْ نَفْسِي وَكَرِهْتُ الْقَتْلَ، فَذَكَرْتُ مُقَامِي بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فَلَفَظْتُهَا فَقُلْتُ: دِمَاؤُهُمْ عَلَيْكَ حَرَامٌ، فَغَضِبَ وَانْتَفَخَتْ عَيْنَاهُ وَأَوْدَاجُهُ وَقَالَ: وَيْحَكَ وَلِمَ ذَاكَ؟ قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: ثَيِّبٍ زَانٍ، وَنَفْسٍ بِنَفْسٍ، وَتَارِكٍ لِدِينِهِ" ٢ قَالَ: وَيْحَكَ أَوَلَيْسَ الأَمْرُ لَنَا دِيَانَةً؟ قُلْتُ: كيف ذاك؟ قال: أليس كان


١ "حديث صحيح": أخرجه ابن ماجه "٩٩٠"، والطبراني في معجمه الكبير "٩/ ٤٨"، وأبو نعيم في حلية الأولياء "٦/ ١٣٦" وغيره.
٢ "حديث صحيح": أخرجه البخاري "٦٨٧٨"، ومسلم "١٦٧٦"، والجماعة.