للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا تَرَى النَّاسَ فِيهِ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَدْ أَشْرَفْنَا عَلَى الْهَلاكِ، فَقَالَ: يَا حَيُّ حِينَ لا حَيَّ، وَيَا حَيُّ قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيُّ بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، يَا حَيُّ يَا قيُّوم، يَا مُحْسِنُ، يَا مُجْمِلُ، قَدْ أَرَيْتَنَا قُدْرَتَكَ فَأَرِنَا عَفْوَكَ، قَالَ: فَهَدَأَتِ السَّفِينَةُ مِنْ سَاعَتِهِ١.

ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ يَجْتَنِي الرُّطب مِنْ شَجَرِ البلُّوط٢.

وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كُلُّ مَلِكٍ لا يَكُونُ عَادِلا فَهُوَ وَاللِّصُّ سَوَاءٌ، وَكُلُّ عَالِمٍ لا يَكُونُ وَرِعًا فَهُوَ والذِّئب سَوَاءٌ، وَكُلُّ مَنْ يَخْدُمُ سِوَى اللَّهِ فَهُوَ وَالْكَلْبُ بمنزلةٍ وَاحِدَةٍ٣.

وَقِيلَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ غَزَا فِي الْبَحْرِ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَاخْتَلَفَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا إِلَى الْخَلاءِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً، كُلُّ مَرَّةٍ يُجَدِّدُ الْوُضُوءَ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالْمَوْتِ قَالَ: أوْتِرُوا لِي قَوْسِي، وَقَبَضَ عَلَى قَوْسِهِ، فَتُوُفِّيَ وَهُوَ فِي يَدِهِ، فَدُفِنَ فِي جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ فِي بِلادِ الرُّومِ٤.

أَخْبَرُونَا عَنِ ابْنِ اللَّتِّيِّ، أَنَا جَعْفَرُ الْمُتَوَكِّلِيُّ، أَنَا ابْنُ الْعَلافِ، ثَنَا الْجَهَامِيُّ، أَنَا جَعْفَرُ الْخَلَدِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الصُّوفِيُّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ يَقُولُ: وَأَيُّ دِينٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ لِلَّهِ كَانَ الْخُمُولُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ التَّطَاوِلِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا الْحَيَاةُ بثقةٍ يُرْجَى نَوْمُهَا، وَلا الْمَنِيَّةُ بِعُذْرٍ فَيُؤْمَنُ غَدْرُهَا، فَفِيمَ التَّفْرِيطُ وَالتَّقْصِيرُ وَالاتِّكَالُ وَالإِبْطَاءُ، قَدْ رَضِينَا مِنْ أَعْمَالِنَا بِالْمَعَانِي، وَمِنْ طَلَبِ التَّوْبَةِ بِالتَّوَانِي، وَمِنَ الْعَيْشِ الْبَاقِي بِالْعَيْشِ الْفَانِي.

وَأَمْسَيْنَا لَيْلَةً مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ نُفْطِرُ عَلَيْهِ، فَرَآنِي حَزِينًا فَقَالَ: يَا ابْنَ بَشَّارٍ، مَاذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنَ النَّعِيمِ وَالرَّاحَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟ لا يَسْأَلُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ زَكَاةٍ، وَلا حَجٍّ، وَلا صَدَقَةٍ، وَلا صِلَةِ رَحِمٍ، لا تَغْتَمَّ، فَرِزْقُ اللَّهِ مَضْمُونٌ، سَيَأْتِيكَ. نَحْنُ وَاللَّهِ الْمُلُوكُ الأَغْنِيَاءُ، نَحْنُ وَاللَّهِ الذين تعجلنا الراحة، لا نُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحْنَا وَأَمْسَيْنَا إِذَا أَطَعْنَا اللَّهَ. ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلاتِهِ، وَقُمْتُ إلى


١ أخرجه ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق "٢/ ١٨٩".
٢ أخرجه أبو نعيم في الحلية "٨/ ٣"، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق "٢/ ١٨٩".
٣ أخرجه ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق "٢/ ١٩٦".
٤ أخرجه ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق "٢/ ١٩٩".