للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرَّشِيدُ يَعْتَقِلُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ صَالِحٍ:

وَكَانَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ وَلَدٌ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَسَعَى هُوَ وَوَزِيرُ أَبِيهِ بِابْنِهِ إِلَى الرَّشِيدِ وَقَالَ: إِنَّهُ عَامِلٌ عَلَى الْخِلافَةِ، فَاعْتَقَلَهُ الرَّشِيدُ فِي مَكَانٍ مَلِيحٍ وَبَالَغَ فِي إِكْرَامِهِ.

فَمَا زَالَ مَحْبُوسًا حَتَّى تُوُفِّيَ الرَّشِيدُ فَأَطْلَقَهُ الأَمِينُ، وَوَلاهُ الشَّامَ.

ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الأَمِينِ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَيْتِهِ وَفُصَحَائِهِمْ وَنُبَلائِهِمْ.

مَرَّ الرَّشِيدُ بِمَنْبِجٍ فَقَالَ لَهُ، وَبِهَا إِذْ ذَاكَ مَقَرُّ عَبْدِ الْمَلِكِ: هَذَا مَنْزِلُكَ؟ قَالَ: هُوَ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وُلِّيَ بِكَ. قَالَ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: دُونَ بِنَاءِ أَهْلِي وَفَوْقَ مَنَازِلِ مَنْبِجٍ. قَالَ: كَيْفَ لَيْلُهَا؟ قَالَ: سَحَرٌ كُلُّهُ.

نِقْفُورُ يَتَمَلَّكُ عَلَى الرُّومِ وَيَنْقُضُ صُلْحَ الْمُسْلِمِينَ:

وَفِيهَا انْتَقَضَ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الرُّومِ، وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ نِقْفُورَ، وَالرُّومُ تَذْكُرُ أَنَّ نِقْفُورَ هَذَا مِنْ وَلَدِ جَفْنَةَ الْغَسَّانِيِّ، وَأَنَّهُ قَبْلَ الْمُلْكِ كَانَ يَلِي دِيوَانَ خَرَاجِهِمْ، وَكَانَ عَقَدَ الْهُدْنَةَ مَعَ الْمَلِكَةِ رِينِي، فَخَلَعَهَا الرُّومُ وَسَلْطَنُوا نِقْفُورَ.

كِتَابُ نِقْفُورَ إِلَى الرَّشِيدِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ:

ثُمَّ مَاتَتْ رِينِي بَعْدَ أَشْهُرٍ، فَكَتَبَ:

مِنْ نِقْفُورَ مَلِكِ الرُّومِ، إِلَى هَارُونَ مَلِكِ الْعَرَبِ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْمَلِكَةَ الَّتِي قَبْلِي كَانَتْ أَقَامَتْكَ مَقَامَ الرُّخِ١ وَأَقَامَتْ نَفْسَهَا مَقَامَ الْبَيْدَقِ، فَحَمَلَتْ إِلَيْكَ مِنْ أَمْوَالِهَا أَحْمَالا، وَذَلِكَ لِضَعْفِ النِّسَاءِ وَحُمْقِهِنَّ، فَإِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَارْدُدْ مَا حَصَلَ قِبَلَكَ مِنْ أَمْوَالِهَا وَافْتَدِ نَفْسَكَ، وَإِلا فَالسَّيْفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ.

قَالَ: فَلَمَّا قَرَأَ الرَّشِيدُ الْكِتَابَ اسْتَشَاطَ غَضَبًا حَتَّى لَمْ يُمَكِّنْ أحد أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهِ دُونَ أَنْ يُخَاطِبَهُ، وَتَفَرَّقَ جُلَسَاؤُهُ مِنَ الْخَوْفِ، وَاسْتَعْجَمَ الرَّأْيُ عَلَى الْوَزِيرِ، فَدَعَا الرَّشِيدُ بِدَوَاةٍ وَكَتَبَ عَلَى ظَهْرِ كِتَابِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ هَارُونَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى نِقْفُورَ كَلْبِ الرُّومِ، قَدْ قرأت كتابك يابن الْكَافِرَةِ، وَالْجَوَابُ مَا تَرَاهُ لا مَا تَسْمَعُهُ٢.


١ الرخ: قطعة من قطع الشطرنج.
٢ انظر: تاريخ الطبري "٨/ ٣٠٨"، والبداية "١٠/ ١٩٤".