للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فثبت ودنا، فاعتنقا، ثم سارا إِلَى قَنْطَرَةٍ لا يَجُوزُهَا إِلا فَارِسٌ. فَحَبَسَ هَرْثَمَةُ لِجَامَ الْفَرَسِ وَقَالَ لِعَلِيٍّ: سِرْ، فَقَالَ: لا وَاللَّهِ. فَقَالَ هَرْثَمَةُ: لا وَاللَّهِ، أَنْتَ أَمِيرُنَا. ثُمَّ نَزَلَ بِمَنْزِلِ عَلِيٍّ، وَأَكَلا مِنَ السِّمَاطِ. ثُمَّ دَفَعَ الْخَادِمُ كِتَابَ الرَّشِيدِ إِلَى عَلِيٍّ، فَلَمَّا رَأَى أَوَّلَ حرف مِنْهُ سُقِطَ مِنْ يَدِهِ. ثُمَّ أَمَرَ هَرْثَمَةُ بِتَقْيِيدِهِ وَتَقْيِيدِ وَلَدِهِ وَعُمَّالِهِ. ثُمَّ صَارَ إِلَى الْجَامِعِ فَخَطَبَ وَبَسَطَ مِنْ آمَالِ النَّاسِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الرَّشِيدَ وَلاهُ ثُغُورَهُمْ بِمَا بَلَغَهُ مِنْ سُوءِ سِيرَةِ الْفَاسِقِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى، وَإِنِّي مُنْصِفُكُمْ مِنْهُ.

فَأَظْهَرُوا السُّرُورَ وَضَجُّوا بِالدُّعَاءِ. ثُمَّ انْصَرَفَ وَدَعَا بِعَلِيٍّ وَآلِهِ فَقَالَ: أَعْفُونِي مِنَ الإِقْدَامِ بِالْمَكْرُوهِ عَلَيْكُمْ. وَنُودِيَ بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ لِعَلِيٍّ وَدِيعَةٌ فَأَخْفَاهَا. فَأَحْضَرَ النَّاسُ شَيْئًا كَثِيرًا إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ. وَاسْتَصْفَى هَرْثَمَةُ حَتَّى حُلِيِّ النِّسَاءِ وَالثِّيَابِ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَامَهُمْ لِمَظَالِمِ النَّاسِ وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ حَمَلَ عَلِيًّا إِلَى الرَّشِيدِ.

تَوَجُّهُ الرَّشِيدِ لِحَرْبِ رَافِعٍ:

وَفِيهَا تَوَجَّهَ الرَّشِيدُ نَحْوَ خُرَاسَانَ لِحَرْبِ رَافِعٍ. فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الطَّبَرِيُّ أَنَّ أَبَاهُ شَيَّعَ الرَّشِيدَ إِلَى النَّهْرَوَانِ، فَجَعَلَ يُحَادِثُهُ فِي الطَّرِيقِ إِلَى أَنْ قَالَ: يَا صَبَّاحُ، لا أَحْسَبُكَ تَرَانِي بَعْدَهَا. فَقُلْتُ: بَلْ يَرُدُّكَ اللَّهُ سَالِمًا. ثُمَّ قَالَ: وَلا أَحْسَبُكَ تَدْرِي ما أجد. فقلت: لا والله. فقال: تعالى حَتَّى أُرِيَكَ. وَانْحَرَفَ عَنِ الطَّرِيقِ، وَأَوْمَأَ إِلَى الْخَوَاصِّ فَتَنَحَّوْا، ثُمَّ قَالَ: أَمَانَةَ اللَّهِ يَا صَبَّاحُ أَنْ تَكْتُمَ عَلَيَّ. وَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ، فَإِذَا عُصَابَةُ حَرِيرٍ حَوْلَ بَطْنِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ عِلَّةٌ أَكْتُمُهَا النَّاسَ كُلَّهُمْ.

وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِي عَلَيَّ رَقِيبٌ، فَمَسْرُورٌ رَقِيبُ الْمَأْمُونِ، وَجِبْرِيلُ بْنُ بَخْتَيْشُوعَ رَقِيبُ الأَمِينِ وَنَسِيتُ الثَّالِثَ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلا وَهُوَ يُحْصِي أَنْفَاسِي وَيَعُدُّ أَيَّامِي وَيَسْتَطِيلُ دَهْرِي. فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ ذَلِكَ فَالسَّاعَةَ أَدْعُو بِبِرْذَوْنَ، فَيَجِيئُونَ بِهِ أعْجَفَ ليزيد في علتي. ثم دعا ببرذون، فجاؤوا بِهِ كَمَا وَصَفَ، فَنَظَرَ إِلَيَّ ثُمَّ رَكِبَهُ وَانْصَرَفَ.

تَحَرُّكُ الْخُرَّمِيَّةِ:

وَفِيهَا تَحَرُّكُ الْخُرَّمِيَّةِ بِبِلادِ أَذْرَبَيْجَانَ، فَسَارَ لِحَرْبِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ فِي عَشَرَةِ آلافٍ، فَأَسَرَ وَسَبَى.