للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَانَ رَجُلًا حَدِيدَ الْوَجْهِ، حَدِيدَ النَّظَرِ، حَدِيدَ اللِّسَانِ، إِذْ وَلَّى نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدَّ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، كُلُّ هَذَا فَرَقًا١ أَنْ أُشَاتِمَهُ. وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ، صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِالْأَبْطَحِ٢؛ قَدْ حَوَّلَ رَحْلَهُ وَشَقَّ قَمِيصَهُ وَجَدَّعَ بَعِيرَهُ٣؛ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ٤! أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ، فَالْغَوْثَ الْغَوْثَ! فَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنِّي، وَشَغَلَنِي عَنْهُ. فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا الْجِهَازُ حَتَّى خَرَجْنَا، فَأَصَابَ قُرَيْشًا مَا أَصَابَهَا يَوْمَ بَدْرٍ. فَقَالَتْ عَاتِكَةُ:

أَلَمْ تَكُنِ الرُّؤْيَا بِحَقٍّ وَجَاءَكُمْ ... بِتَصْدِيقِهَا فَلٌّ مِنَ الْقَوْمِ هَارِبُ

فَقُلْتُمْ وَلَمْ أَكْذِبْ كَذَبْتِ وَإِنَّمَا ... يُكَذِّبُنَا بِالّصِّدْقِ مَنْ هُوَ كَاذِبُ٥

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَكُنَّا -أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ- نَتَحَدَّثُ أَنْ عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ، كَعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ، وما جازه إلا مؤمن. أخرجه البخاري.

وقال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: حدثني يزيد بن أبي حَبِيبٍ، حَدَّثَنِي أَسْلَمُ أَبُو عِمْرَانَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ: هَلْ لَكُمْ أَنْ نَخْرُجَ فَنَلْقَى الْعِيرَ لَعَلَّ اللَّهَ يَغْنِمُنَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ. فَخَرَجْنَا، فَلَمَّا سِرْنَا يومًا أو يومين أمرنا أن نتعاد، ففعلا، فَإِذَا نَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَأَخْبَرْنَاهُ بِعِدَّتِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ وَحَمِدَ اللَّهَ، وَقَالَ: عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمَ بَدْرٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عشر من


١ الفرق: الخوف.
٢ الأبطح: يضاف إلى مكة وإلى منى، وقيل: هو أقرب إلى منى. "معجم البلدان" "١/ ٧٤".
٣ جدع بعيره: قطع أنفه.
٤ اللطيمة اللطيمة: الإبل التي تحمل البز والطيب.
٥ قال الهيثمي في "المجمع" "٦/ ٧٢": رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات.