للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَرْضَ، فَسَبَقُوا إِلَى الْمَاءَ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ شَطْرَ اللَّيْلِ. فَاقْتَحَمَ الْقَوْمُ فِي الْقَلِيبِ فَمَاحُوهَا حَتَّى كثر ماؤها.

وصنعوا حوضًا عظيمًا ثم غوروا مَا سِوَاهُ مِنَ الْمِيَاهِ١.

وَيُقَالُ: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسَانِ، عَلَى أَحَدِهِمَا: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعَلَى الْآخَرِ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ. وَمَرَّةً الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَالْمِقْدَادُ.

ثُمَّ صَفَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْحِيَاضِ. فَلَمَّا طَلَعَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَعَمُوا- "اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٍ قَدْ جَاءَتْ بِخُيَلائِهَا وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ" ٢.

وَاسْتَنْصَرَ الْمُسْلِمُونَ اللَّهَ وَاسْتَغَاثُوهُ، فَاسْتَجَابَ اللَّهَ لَهُمْ.

فَنَزَلَ الْمُشْرِكُونَ وَتَعَبَّئُوا لِلْقِتَالِ، وَمَعَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ الْمُدْلِجِيِّ يُحَدِّثُهُمْ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ وَرَاءَهُ قَدْ أَقْبَلُوا لِنَصْرِهِمْ.

قَالَ: فَسَعَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَكُونَ سَيِّدَ قُرَيْشٍ مَا عِشْتَ؟ قَالَ عُتْبَةُ: فَأَفْعَلُ مَاذَا؟ قَالَ: تُجِيُر بَيْنَ النَّاسِ وَتَحْمِلُ دِيَةَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَبِمَا أَصَابَ مُحَمَّدٌ فِي تِلْكَ الْعِيرِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ مِنْ مُحَمِّدٍ غَيْرَهَا. قَالَ عُتْبَةُ: نَعَمْ قَدْ فَعَلْتُ، وَنِعْمَ مَا قُلْتَ، فَاسْعَ فِي عَشِيرَتِكَ فَأَنا أَتَحَمَّلُ بِهَا. فَسَعَى حَكِيمٌ فِي أَشْرَافِ قُرَيشٍ بِذَلِكَ.

وَرَكِبَ عُتبَةُ جَمَلًا لَهُ، فَسَارَ عَلَيْهِ فِي صُفُوفِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: يَا قَوْمُ أَطِيعُونِي وَدَعُوا هَذَا الرَّجُلَ؛ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا وَلِيَ قَتْلَهُ غَيْرُكُمْ مِنَ الْعَرَبِ فَإِنَّ فِيهِمْ رِجَالًا لَكُمْ فِيهِمْ قَرَابَةً قَرِيبَةً، وَإِنَّكُمْ إِنْ تَقْتُلُوهُمْ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى قَاتِلِ أَخِيهِ أَوِ ابْنِهِ أَوِ ابْنِ أَخِيهِ أَوِ ابْنِ عَمِّهِ، فَيُورِثُ ذَلِكَ فِيكُمْ إِحَنًا٣ وَضَغَائِنَ. وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا كُنْتُمْ فِي مُلْكِ أَخِيكُمْ. وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ تَقْتُلُوا النَّبِيَّ فَتُسَبُّوا بِهِ. وَلَنْ تَخْلُصُوا إِلَيْهِمْ حَتَّى يُصِيبُوا أَعْدَادَهُمْ مِنْكُمْ، وَلَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدَّبَرَةُ عليكم.


١ تقدم تخريجه قبل قليل.
٢ "إسناده صحيح": أخرجه أحمد في "المسند" "١/ ١١٧"، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" "٦/ ٧٥-٧٦": رواه أحد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح -غير حارثة بن مضارب- وهو ثقة.
٣ إحنًا: حقدًا. "المعجم الوجيز" "٨".