للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ لأَنَّهُ كَانَ أَكَفَّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِمَكَّةَ.

وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَ الْأَسْرَى فِدَاءً لِكَوْنِهِ مُوسِرًا، فَافْتَدَى نَفْسَهُ بِمِائَةِ أُوقِيَّةِ ذَهَبٍ.

وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَنَسٍ أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا فِدَاءَهُ. فَقَالَ: "لَا وَاللَّهِ لَا تَذَرُونَ دِرْهَمًا". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ بَعْدَ مَا فَرِغَ من بدر؛ عليك بالعير ليس دونها شَيْءٌ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ وَهُوَ فِي وَثَاقِهِ: لَا يَصْلُحُ. قَالَ: "وَلِمَ"؟ قَالَ: لأَنَّ اللَّهَ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَقَدْ أَعْطَاكَ مَا وَعَدَكَ.

وَقَدْ ذُكِرَ إِرْسَالُ زَيْنَبَ بَنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقِلَادَتِهَا فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ زَوْجِهَا.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، ثَنَا ابْنُ الْهَادِ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قَدِمَ الْمَدِينَةَ خَرَجَتِ ابْنَتُهُ زَيْنَبُ مِنْ مَكَّةَ مَعَ كِنَانَةَ؟ أَوِ ابْنِ كِنَانَةَ؟ فَخَرَجُوا فِي أَثَرِهَا. فَأَدْرَكَهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ، فَلَمْ يَزَلْ يَطْعَنُ بَعِيرَهَا بِرُمْحِهِ حَتَّى صَرَعَهَا، وَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا وَأُهْرِيقَتْ دَمًا. فَتَحَمَّلَتْ.

فَاشْتَجَرَ فِيهَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو أُمَيَّةَ. فَقَالَتْ بَنُو أُمَيَّةَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا. وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْعَاصِ، فَكَانَتْ عِنْدَ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. وَكَانَتْ تَقُولُ لَهَا هِنْدٌ: هَذَا مِنْ سَبَبِ أَبِيكِ.

قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: "أَلا تَنْطَلِقُ فَتَأْتِي بِزَيْنَبَ"! فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "فَخُذْ خَاتَمِي فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ". فَانْطَلَقَ زَيْدٌ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَلَطَّفُ حَتَّى لَقِيَ رَاعِيًا فَقَالَ لَهُ: لِمَنْ تَرْعَى؟ قَالَ: لِأَبِي الْعَاصِ. قَالَ: فَلِمَنْ هَذِهِ الْغَنَمُ؟ قَالَ: لِزَيْنَبَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ. فَسَارَ مَعَهُ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيكَ شَيْئًا تُعْطِيهَا إِيَّاهُ، وَلَا تَذْكُرْهُ لِأَحَدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَعْطَاهُ الْخَاتَمَ. وَانْطَلَقَ الرَّاعِي حَتَّى دَخَلَ فَأَدْخَلَ غَنَمَهُ وَأَعْطَاهَا الْخَاتَمَ فَعَرَفَتْهُ. فَقَالَتْ: مَنْ أَعْطَاكَ هَذَا؟ قَالَ: رَجُلٌ. قَالَتْ: فَأَيْنَ تَرَكْتَهُ؟ قَالَ: بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا. فَسَكَتَتْ، حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ خَرَجَتْ إِلَيْهِ. فقال لها: اركبي بين يدي, على بعيري. فقالت: لا، ولكن اركب أَنْتَ بَيْنَ يَدَيَّ. وَرَكِبَتْ وَرَاءَهُ حَتَّى أَتَتِ الْمَدِينَةَ.

فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "هِيَ أَفْضَلُ بَنَاتِي، أُصِيبَتْ فِيَّ".

قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، فَانْطَلَقَ إِلَى عُرْوَةَ فَقَالَ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ تَتَنَقَّصُ بِهِ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَ عُرْوَةَ: وَاللَّهِ مَا أَحَبُّ أَنَّ لِي مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَأَنِّي أَتَنَقَّصُ فَاطِمَةَ حَقًّا هُوَ لَهَا، وَأَمَّا بَعْدُ فَلَكَ أَنْ لَا أُحَدِّثَهُ أبدًا١.


١ قال الهيثمي في "المجمع" برقم "١٥٢٣١": "رواه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط" بعضه، ورواه البزار، ورجاله رجال الصحيح".