للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ: إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صَاحِبَنَا، وَإِنَّا نُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَاتِلَنَّهُ أَوْ لَتُخْرِجَنَّهُ أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ بِجَمْعِنَا حَتَّى نَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُمْ وَنَسْتَبِيحَ نِسَاءَكُمْ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ اجْتَمَعُوا لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَلَقِيَهُمْ فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ وَعْدُ قُرَيْشٍ مِنْكُمُ الْمَبَالِغَ، مَا كَانَتْ تَكِيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ. تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا أَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ؟ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ تَفَرَّقُوا. فَبَلَغَ ذَلِكَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ فَكَتَبُوا؛ بَعْدَ بَدْرٍ، إِلَى الْيَهُودِ: إِنَّكُمْ أَهْلُ الْحَلَقَةِ وَالْحِصْنِ وَإِنَّكُمْ لَتُقَاتِلُنَّ صَاحِبَنَا أَوْ لَنَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا، وَلَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَدَمِ نِسَائِكُمْ شَيْءٌ. وَهِيَ الْخَلَاخِيلُ.

فَلَمَّا بَلَغَ كِتَابُهُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْمَعَتْ بَنُو النَّضِيرِ بِالْغَدْرِ. وَأَرْسَلُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْرُجْ إِلَيْنَا فِي ثَلَاثِينَ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِكَ، وَلْيَخْرُجْ مِنَّا ثَلَاثُونَ حبرًا، حتى نلتقي بمكان المنصف، فيسمعوا مِنْكَ، فَإِنْ صَدَّقُوا وَآمَنُوا بِكَ آمَنَّا بِكَ. فَقَصَّ خَبَرَهُمْ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، غَدَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْكَتَائِبِ فَحَصَرَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَا تَأْمَنُونَ عِنْدِي إِلَّا بِعَهْدٍ تُعَاهِدُونِي عَلَيْهِ". فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ عَهْدًا، فَقَاتَلَهُمْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ.

ثُمَّ غَدَا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ بِالْكَتَائِبِ، وَتَرَكَ بَنِي النَّضِيرِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يُعَاهِدُوهُ. فَعَاهَدُوهُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ.

وَغَدَا إِلَى بَنِي النَّضِيرِ بِالْكَتَائِبِ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ. فَجَلَتْ بَنُو النَّضِيرِ، وَاحْتَمَلُوا مَا أَقَلَّتِ الْإِبِلُ مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ وَأَبْوَابِهِمْ وَخَشَبِهِمْ. فكان نخل بني النضير لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خَاصَّةً، أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: ٦] ، يَقُولُ: بِغَيْرِ قِتَالٍ. فَأَعْطَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَهَا الْمُهَاجِرِينَ وَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ، وَقَسَّمَ مِنْهَا لِرَجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَا ذَوِي حَاجَةٍ. وَبَقِيَ مِنْهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي فِي أَيْدِي بَنِي فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا١.

وَذَهَبَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ إِلَى أَنَّ غَزْوَةَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُمَا. وَرَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ. وَهَذَا حَدِيثُ


١ "صحيح الإسناد": أخرجه أبو داود في كتاب "الخراج والإمارة" باب: "في خبر النضير" برقم "٣٠٠٤"، وقال الشيخ الإلباني في "صحيح سنن أبي داود" "٣٥٩٥": "صحيح الإسناد".