وعن هارون بن عيسى بن المنصور قال: شهدت دار المعتصم وقد أتي بالأفشين، والمازيار، وبموند مُوبِذان أحد ملوك السُّغد، وبالمَرْزُبان، وأحضروا رجلين فعريا، فإذا أجنابهما عارية عن اللّحْم.
فقال الوزير ابن الزّيّات: يا حيدر، تعرف الرجلين؟ قال: نعم. هذا مؤّذنٌ، وهذا إمامٌ بَنَيا مسجدًا بأشروسنة، فضربتُ كلّ واحدٍ منهما ألفَ سَوْط.
قَالَ: وَلَم؟ قال:"إنّ" بيني وبين ملوك السُّغْد عهدًا، أنْ أترك كلّ قومٍ على دينهم، فوثب هذان على بيتٍ فيه أصنامُ أهلِ أشْرُوسَنَة، فأخرجا الأصنام واتّخذاه مسجِدًا، فضربتهما على تَعَدِّيهما.
"ذكر الحوار بين ابن الزّيّات وحيدر والأفشين والمازيار":
فقال ابن الزّيّات: فما كتابٌ عندك قد زينته بالذهب والجوهر، وجعلته في الدّيباج، فيه الكُفْر بالله؟ قال: كتابٌ ورِثْتُه عن أبي، فيه آدابٌ وحِكَم من آداب الأكاسرة، فآخُذُ منه الأدب، وأدفع ما سواه، مثل كتاب "كليلة ودِمْنة"، وما ظننتُ أنّ هذا يُخْرجني عن الإسلام.
فقال ابن الزّيّات للموْبِذ: ما تقول؟
فقال: إنْ كان هذا يأكل المخنوقة، ويحملني على أكْلها، ويزعم أنّ لحمها أرطب من المذبوحة.
وقال لي: إنّي قد دخلت لهؤلاء القوم في كلّ ما أكره، حَتّى أكلت الزيت، وركبت الجمل، ولبست النعل، غير أنّي إلى هذا العام لم أسقط عني شعرًا، يعني عانته، ولم أختَتِن.
وكان المُوبِذ مجوسيًّا، ثمّ بعد هذا أسلم على يد المتوكّل.
فقال الأفشين: خبّروني عن هذا المتكلّم، أَثِقَةً هو في دينه؟ قالوا: لا.
قال: فما معنى قُبُولكم شهادته؟ فتقدّم المرزبان وقال: يا أفشين كيف تكتب إليك أهل مملكتك؟ قال: كما كانوا يكتبون إلى أبي وجَدّي. قال ابن الزّيّات: فكيف كانوا يكتبون؟ قال: كانوا يكتبون إليه بالفارسيّة ما تفسيره بالعربيّة: إلى الإله من عبده.