للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ بَنَوْا، فَلَمَّا بَلَغَ الْبُنْيَانُ مَوْضِعَ الرُّكْنِ، يَعْنِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، اخْتَصَمُوا فِيمَنْ يَضَعُهُ، وَحَرَصَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَحَارَبُوا وَمَكَثُوا أَرْبَعَ لَيَالٍ.

ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ وَتَنَاصَفُوا فَزَعَمُوا أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ أَسَنَّ قُرَيْشٍ، قَالَ: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ فِيمَا تَخْتَلِفُونَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَفَعَلُوا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا رأوهو قَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ رَضِينَا بِهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: "هَاتُوا لِي ثَوْبًا" فَأَتَوْا بِهِ، فَأَخَذَ الرُّكْنَ بِيَدِهِ فَوَضَعَهُ فِي الثَّوْبِ، ثُمَّ قَالَ: "لِتَأْخُذْ كُلُّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا"، فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ وَضَعَهُ هُوَ -صَلَّى الله عليه وسلم- بيده وبني عليه١.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحُلُمَ أَجْمَرَتِ٢ امْرَأَةٌ الْكَعْبَةَ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ مَجْمَرَتِهَا فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ فَاحْتَرَقَتْ، فَهَدَمُوهَا حَتَّى إِذَا بَنَوْهَا فَبَلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي الرُّكْنِ أَيُّ الْقَبَائِلِ تَضَعُهُ قَالُوا: تَعَالَوْا نُحَكِّمُ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ غُلَامٌ عَلَيْهِ وِشَاحُ نَمِرَةَ فَحَكَّمُوهُ فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَيِّدُ كُلِّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْتَقَى هُوَ فَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ، فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ، ثُمَّ طَفِقَ لَا يَزْدَادُ عَلَى السِّنِّ إِلَّا رِضًا حَتَّى دَعَوْهُ الْأَمِينَ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ وَحْيٌ، فَطَفِقُوا لَا يَنْحَرُونَ جَزُورًا إِلَّا الْتَمَسُوهُ فَيَدْعُو لَهُمْ فِيهَا٣.

وَيُرْوَى عَنْ عُرْوَةَ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ الْبَيْتَ بُنِيَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً٤.

وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عبد الرحمن العطّار، حدثنا ابْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ: لَهُ يَا خَالُ، حَدِّثْنِي عَنْ شَأْنِ الْكَعْبَةِ قبل أن تبنيها قريش قال: كان


١ معضل: ذكره ابن إسحاق بدون إسناد كما في "سيرة ابن هشام" "١/ ٢٠٣".
٢ يريد بخرت.
٣ مرسل: وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" "١/ ٧٤٠": هذا سياق حسن، وهو من سير الزهري، وفيه من الغرابة قوله "لما بلغ الحلم"، والمشهور أن هذا كان ورسوله الله -صلى الله عليه وسلم- عمره خمس وثلاثون سنه، وهو الذي نص عليه محمد بن إسحاق بن يسار -رحمه الله. ا. هـ.
٤ مرسل: انظر "البداية" "١/ ٧٤٠".