للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشُّقْرَةِ، فَأَقَامَ بِهَا يَوْمًا، وَبَثَّ السَّرَايَا، فَرَجَعُوا إليه من الليل وأخبروه أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا أَحَدًا، وَقَدْ وَطِئُوا آثَارًا حَدِيثَةً.

ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصحَابُهُ، حَتَّى أَتَى مَحَالَّهُمْ، فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، وَهَرَبُوا إِلَى الْجِبَالِ، فَهُمْ مُطِّلُونَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَافَ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا.

وَفِيهَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأصحابه صلاة الخوف١.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا ذَاتُ الرِّقَاعِ لأَنَّهُمْ رَقَعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ. قَالَ: وَيُقَالُ ذَاتُ الرِّقَاعِ شَجَرَةٌ هُنَاكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا غَزْوَتَانِ.

وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سِنَانٌ الدُّؤَلِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ نجد، فلما قفل قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعَضَاةِ، فَنَزَلَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعَضَاةِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ. وَقَالَ هُوَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلِقَ بِهَا سَيْفَهُ, فَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُونَا فَأَجَبْنَاهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ, فَشَامَ السَّيْفَ وَجَلَسَ". فَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ٢.

قَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ: اسْمُ الأَعَرَابِيِّ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ.

ثُمَّ رَوَى أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ، فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غُرَّةً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالسَّيْفِ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: "اللَّهُ". فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي"؟ قَالَ: كنْ خيرَ آخِذ. قَالَ: "تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ". قَالَ: لا، وَلَكِنْ أُعَاهِدُكَ عَلَى أَنْ لا أُقَاتِلَكَ، وَلا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ. فَخَلَّى سَبِيلَهُ, فَأَتَى أَصْحَابَهُ وَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ الناس.


١ "السيرة النبوية" لابن هشام "٣/ ١٧٣".
٢ أخرجه البخاري في "المغازي" "٤١٣٦"، ومسلم في "صلاة المسافرين" "٥٧٦". وشام السيف: أغمده. والعضاه: شجر ذات شوك.