للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمضى الرجل إلى أحمد بْن حنبل فعرّفه ذلك، فأنكره وقال: هذه بدعة.

فرجع إلى حُسَيْنِ فعرَّفه إنكار أبي عبد الله، فقال له حُسَيْنِ: تَلَفُّظُك بالقرآن غير مخلوق.

فرجع إلى أحمد فعرُّفه رجوع حُسَيْنِ وأنّه قال: تَلَفُّظُك بالقرآن غير مخلوق. فأنكر أحمد ذلك أيضًا وقال: هذا أيضًا بدعة.

فرجع إلى حُسَيْنِ فعرَّفه إنكار أبي عبد الله أيضًا فقال: إيش نعمل بهذا الصبي؟ إن قُلْنَا مخلوق، قال: بدعة، وإنْ قُلْنَا: غير مخلوق، قال: بدعة؟ فبلغ ذلك أَبَا عبد الله، فغضب له أصحابُه، فتكلّموا فِي حُسَيْنِ الكرابيسيّ١.

وقال الفضل بْن زياد: سَأَلت أَبَا عبد الله، عن الكرابيسيّ، وما أظهر، فَكَلَح وجهه ثُمَّ أطرق، ثُمَّ قال: هذا قد أظهر رأي جَهْم. قال اللَّه تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦] فممّن يسمع؟ إنّما جاء بلاؤهم من هذه الكُتُب التي وضعوها. تركوا آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ، وأقبلوا على هذه الكتب٢.

وقال ابن عديّ: سمعت محمد بْن عبد الله الصَّيرفيّ الشّافعيّ يقول لهم، يعني التّلامذة: اعتبِروا بهذين: حُسَيْنِ الكرابيسيّ، وأبو ثور. فالحسين فِي علمه وحِفْظه، وأبو ثور لا يعشُرُه فِي علمه، فتكلَّم فِيهِ أحمد بْن حنبل فِي باب اللّفظ فسقط، وأثنى على أَبِي ثور، فارتفع للزومه السنة.

تُوُفّي سنة ثمانٍ، وقيل: سنة خمسٍ وأربعين ومائتين.

وقال أبو جَعْفَر محمد بْن الْحُسَيْن بْن هارون المَوْصِليّ: سَأَلت أَبَا عبد الله أحمد بْن حنبل. قلت: أَنَا رَجُل من أهلِ المَوْصلِ، والغالب على بلدنا الْجَهْميّة، وقد وقعت مسألة الكرابيسيّ نُطْقي بالقرآن مخلوق. فقال: إيّاك وهذا الكرابيسيّ، لا تكلِّمْهُ، ولا تكلم من يكلمه.


١ تاريخ بغداد "٨/ ٦٥".
٢ تاريخ بغداد "٨/ ٦٦".