ثمّ ورد إذْ ذاك مالٌ مِن فارس نحوٌ من عشرة آلاف ألف درهم، فانتشر فِي العامة أنّ الأتراك عَلَى خلْع المهتدي، فثار العامّة والقُوّاد، وكتبوا رقاعًا ألقوها فِي المساجد: يا معشر المسلمين، ادعوا لخيلفتكم العدْل الرّضا المضاهي١ لعمر بْن عَبْد العزيز أنْ ينصره اللَّه عَلَى عدوّه. وراسل أهل الكَرْخ والدُّور المهتدي بالله فِي الوثوب عَلَى مُوسَى بْن بُغَا والأتراك، فجزاهم خيرًا ووعدهم بالخير.
"اقتراب الزنج من البصرة":
وفيها تحول الزَّنج وقربوا مِنَ البصرة، وأخذوا مراكب كثيرة بأموالها؛ فتهبا سعَيِد الحاجب لحربهم.
"قتل بايكباك":
وفي أول جُمَادَى الآخرة رحل مُوسَى بْن بُغَا وبايكباك فِي طلب مساور. وكان المهتدي قد استمال بايكباك وجماعته مِن الأتراك، فكتب إلى بايكباك أنْ يقتل مُوسَى ومُفْلحًا أو يمسكهما، ويكون هُوَ الأمير عَلَى الأتراك كلهم. فأوقف بايكباك مُوسَى عَلَى كتابه وقال: إنيّ لست أفرح بهذا، وإنما هذا يعمل علينا كلنا. فأجمعوا عَلَى أنْ يسير بايكباك إلى سامرّاء، فإنّ المهتدي يطمئن إِلَيْهِ، ثمّ يقتله.
فسار إلى سامرّاء ودخل عَلَى المهتدي فغضب وقال: أمرتك أن تقتل مُوسَى ومفلح فَدَاهنْت.
قَالَ: كيف كنت أقدر عليها وجيشهما أعظم من جيشي، ولكن قَدْ قدِمت بجيشي ومن أطاعني لأنصُرك عليهما. فأمر المهتدي بأخذْ سلَاحه، فقال: أذهب إلى منزلي وأعود، فليس مثلي من يفعُل بِهِ هذا. فأخذ سلاحه وحبسه. ولمّا أبطأ خبره عَلَى أصحابه قال لهما أَحْمَد بْن خاقان الحاجب: اطلبوا صاحبكم قبل أنْ يفْرُط بِهِ أمرٌ. فأحاطوا بالْجَوْسق، فقال المهتدي لصالح بْن عَلِيّ بْن يعقوب بْن المنصور: ما ترى؟ فقال: قد كَانَ أَبُو مُسلْمِ أعظم شأنًا من هذا العبد، وأنت أشجع من المنصور، فاقتله.