للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ أكل، وتواردها النّاس، كلّما فرغ قومٌ قاموا وجاء ناسٌ، حتى صدر أهلُ الخندق عنها١.

وحدّثني سعيد بن ميناء أنّه حُدِّث أنّ ابنة لبشير بن سعد قَالَت: دعتني أمّي عمرةُ بنتُ رَواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثُمَّ قَالَتْ: أي بُنَيَّة! اذهبي إلى أبيك وخالك، عبد الله بغدائهما.

فانطلقتُ بِهَا فمررت برَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا ألتمس أبي وخالي, فقال: "ما هذا معك"؟ قلت: تمر بَعَثَتْ به أمي إلى أبي وخالي، قَالَ: "هاتيه". فَصَبَبْتُهُ في كَفَّيْ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما ملأتهما ثُمَّ أمر بثوبٍ فُبِسط، ثُمَّ دحا بالتمر عليه فتبدّد فوق الثوب، ثُمَّ قَالَ لِإنسان عنده: "اصرخ في أهل الخندق أنْ هلموا إلى الغداء". فاجتمعوا فجعلوا يأكلون مِنْهُ وجعل يزيد، حَتَّى صَدَرَ أهلُ الخندق عنه وإنه لَيَسْقُط من أطراف الثوب٢.

وحدّثني من لا أَتّهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ كان يَقْولُ حين فُتِحَت هذه الأمصار في زمان عُمَر وعثمان وما بعده: افتحوا ما بدا لكم، والذي نفس أبي هُريرة بيده، ما افتتحتم من مدينةٍ ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلّا وقد أعطى الله محمدًا مفاتيحها قبل ذَلِكَ.

قال: وحدثت عن سلمان الفارسيّ قَالَ: ضربت في ناحيةٍ من الخندق فغلُظَتْ عليّ، ورَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قريبٌ منّي، فلما رآني أضرب نزل وأخذ المِعْوَلَ فضرب به ضربة فلمعتْ تحت المِعْوَل بَرْقَةٌ، ثُمَّ ضرب أخرى فلمعت تحته أخرى، ثُمَّ ضرب الثالثة فلمعت أخرى. قلت: بأبي أنت وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ قَالَ: "أوَ قد رأيتَ"؟ قلت: نعم. قَالَ: "أمّا الأولى، فإنّ الله فتح عليّ بِهَا اليمن، وأمّا الثانية، فإنّ الله فتح عليّ بِهَا الشامَ والمغرب، وأمّا الثالثة, فإنّ الله فتح عليّ بِهَا المشرق" ٣.

قَالَ ابن إسحاق: ولما فرغ النّبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع السُّيول من رُومة بين الجُرْف وزَغَابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومَن تبعهم من


١ "إسناده صحيح": أخرجه البخاري "٤١٠١-٤١٠٢" بنحوه.
٢ قال الحافظ ابن كثير في "البداية" "٢/ ٥١٩": فيه انقطاع.
٣ "صحيح": أخرجه النسائي "٦/ ٤٣-٤٤"، وقال الشيخ الألباني في "صحيح سنن النسائي": صحيح.